تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٩٠
في القميص، كتأثير ذلك في الأظافير. قال: بل سولت هنا محذوف تقديره: لم يأكله الذئب، بل سولت. قال ابن عباس: أمرتكم أمرا، وقال قتادة: زينت، وقيل: رضيت أمرا أي: صينعا قبيحا. وقيل: سهلت. فصبر جميل أي: فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أمثل. وقرأ أبي، والأشهب، وعيسى بن عمر: فصبرا جميلا بنصبهما، وكذا هي في مصحف أبي، ومصحف أنس بن مالك. وروي كذلك عن الكسائي. ونصبه على المصدر الخبري أي: فاصبر صبرا جميلا. قيل: وهي قراءة ضعيفة عند سيبويه، ولا يصلح النصب في مثل هذا إلا مع الأمر، وكذلك يحسن النصب في قوله:
* شكا إلي جملي طول السرى * صبرا جميلا فكلانا مبتلي * ويروى صبر جميل في البيت. وإنما تصح قراءة النصب على أن يقدر أن يعقوب رجع إلى مخاطبة نفسه فكأنه قال: فاصبري يا نفس صبرا جميلا. وفي الحديث: (أن الصبر الجميل أنه الذي لا شكوى فيه) أي: إلى الخلق. ألا ترى إلى قوله: * (إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله) * وقيل: أتجمل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه، وعبوس الجبين، بل على ما كنت عليه معكم. وقال الثوري: من الصبر أن لا تحدث بما يوجعك ولا بمصيبتك ولا تبكي نفسك. والله المستعان أي: المطلوب منه العون على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف، والصبر على الرزية. وجاءت سيارة قيل: كانوا من مدين قاصدين إلى مصر، وقيل: في الكلام حذف تقديره: وأقام يوسف في الجب ثلاثة أيام، وكان أخوه يهوذا يأتيه بالطعام خفية من إخوته. وقيل: جاءت السيارة في اليوم الثاني من طرحه في الجب. وقيل: كان التسبيح غذاءه في الجب. قيل: وكانت السيارة تائهة تسير من أرض إلى أرض، وقيل: سيارة في الطريق أخطئه فنزلوا قريبا من الجب، وكان في قفرة بعيدة من العمران لم تكن إلا للرعاة، وفيهم مالك بن دعر الخزاعي فأرسلوه ليطلب لهم الماء. والوارد الذي يرد الماء ليستقي للقوم، وإضافة الوارد للضمير كإضافته في قوله: ألقيت كاسبهم. ليست إضافة إلى المفعول، بل المعنى الذي يرد عليهم والذي يكسب لهم. والظاهر أن الوارد واحد. وقال ابن عطية: والوارد هنا يمكن أن يقع على الواحد وعلى جماعة انتهى. وحمل على معنى السيارة في قوله: فأرسلوا، ولو حمل على اللفظ لكان الترتيب فأرسلت واردها. فأدلى دلوه أي: أرسلها ليستقي الماء قال: يا بشراي. في الكلام حذف تقديره: فتعلق يوسف بحبل الدلو، فلما بصر به المدلي قال: يا بشراي. وتلقه بالحبل يدل على صغره، إذ لو كان ابن ثمانية عشر أو سبعة عشر لم يحمله الحبل غالبا، ولفظه غلام ترجح ذلك، إذ يطلق عليه ما بين الحولين إلى البلوغ حقيقة، وقد يطلق على الرجل الكامل لقول ليلى الأخيلية في الحجاج بو يوسف:
غلام إذا هز القناة سقاها
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»