مثل ذلك الاجتباء، وهو ما أراه من تلك الرؤيا التي دلت على جليل قدره، وشريف منصبه، ومآله إلى النبوة والرسالة والملك. ويجتبيك: يختارك ربك للنبوة والملك. قال الحسن: للنبوة، وقال مقاتل: للسجود لك، وقال الزمخشري: لأمور عظام. ويعلمك من تأويل الأحاديث كلام مستأنف ليس داخلا في التشبيه، كأنه قال: وهو يعلمك. قال مجاهد والسدي: تأويل الأحاديث عبارة الرؤيا. وقال الحسن: عواقب الأمور، وقيل: عامة لذلك ولغيره من المغيبات، وقال مقاتل: غرائب الرؤيا، وقال ابن زيد: العلم والحكمة.
وقال الزمخشري: الأحاديث الرؤى، لأن الرؤى إما حديث نفس أو ملك أو شيطان، وتأويلها عبارتها وتفسيرها، فكان يوسف عليه السلام أعبر الناس للرؤيا وأصحهم عبارة. ويجوز أن يراد بتأويل الأحاديث معاني كتب الله وسير الأنبياء، وما غمض واشتبه على الناس في أغراضها ومقاصدها، يفسرها لهم ويشرحها، ويدلهم على مودعات حكمها. وسميت أحاديث لأنها تحدث بها عن الله ورسله فيقال: قال الله: وقال الرسول: كذا وكذا. ألا ترى إلى قوله: * (فبأي حديث بعده يؤمنون) * * (الله نزل أحسن الحديث) * كتابا وهي اسم جمع للحديث، وليس بجمع أحدوثة انتهى. وليس باسم جمع كما ذكر، بل هو جمع تكسير لحديث على غير قياس، كما قالوا: أباطل وأباطيل، ولم يأت اسم جمع على هذا الوزن. وإذا كانوا يقولون في عباديد ويناذير أنهما جمعا تكسير ولم يلفظ لهما بمفرد، فكيف لا يكون أحاديث وأباطيل جمعي تكسير؟.
ويتم نعمته عليك، وإتمامها بأنه تعالى وصل لهم نعمة الدنيا بأن جعلهم أنبياء وملوكا، بنعمة الآخرة بأن نقلهم إلى أعلى الدرجات في الجنة. وقال مقاتل: بإعلاء كلمتك وتحقيق رؤياك، وقال الحسن: هذا شيء أعلمه الله يعقوب من أنه سيعطي يوسف النبوة. وقيل: بأن يحوج إخوتك إليك، فتقابل الذنب بالغفران، والإساءة بالإحسان. وقيل: بإنجائك من كل مكروه،. وآل يعقوب الظاهر أنه أولاده ونسلهم أي: نجعل النبوة فيهم. وقال الزمخشري: هن نسلهم وغيرهم. وقيل أهل دينه وأتباعهم، كما جاء في الحديث: من آلك؟ فقال: * (كل) * وقيل: امرأته وأولاده الأحد عشر. وقيل: المراد يعقوب نفسه خاصة. وإتمام النعمة على إبراهيم بالخلة، والإنجاء من النار، وإهلاك عدوه نمروذ. وعلى إسحاق بإخراج يعقوب والأسباط من صلبه. وسمي الجدو أبا الجد أبوين، لأنهما في عمود النسب كما قال: * (إلاهك وإلاه آبائك) * ولهذا يقولون: ابن فلان، وإن كان بينهما عدة في عمود النسب. إن ربك عليم بمن يستحق الاجتباء، حكيم يضع الأشياء مواضعها. وهذان الوصفان مناسبان لهذا الوعد الذي وعده يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام في قوله: وكذلك يجتبيك ربك قيل: وعلم يعقوب عليه السلام ذلك من دعوة إسحاق عليه السلام حين تشبه له بعيصو.
* (لقد كان فى يوسف وإخوته ءايات للسائلين * إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفى ضلال مبين * اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين) *: آيات أي: علامات ودلائل على قدرة الله تعالى وحكمته في كل شيء للسائلين من سأل عنهم وعرف قصتهم. وقيل: آيات على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم) للذين سألوه من اليهود عنها، فأخبرهم بالصحة من غير سماع من أحد، ولا قراءة كتاب. والذي يظهر أن الآيات الدلالات على صدق الرسول وعلى ما أظهر الله في قصة يوسف من عواقب البغي عليه، وصدق رؤياه، وصحة تأويله، وضبط نفسه وقهرها حتى قام بحق الأمانة، وحدوث السرور بعد اليأس. وقيل: المعنى لمن سأل ولمن لم يسأل لقوله: * (سواء للسائلين) * أي سواء لمن سأل ولمن لم يسأل. وحسن الحذف لدلالة قوة الكلام عليه لقوله: * (سرابيل تقيكم الحر) * أي والبرد. وقال ابن عطية: وقوله للسائلين، يقتضي تحضيضا للناس على تعلم هذه الأنباء لأنه إنما المراد آيات للناس، فوصفهم بالسؤال، إذ كل أحد ينبغي أن يسأل عن مثل هذه القصص، إذ هي مقر العبر والاتعاظ. وتقدم لنا ذكر أسماء أخوة يوسف منقولة من خط الحسين بن أحمد بن القاضي الفاضل عبد الرحيم البياسني، ونقلها من خط الشريف النقيب النسابة أبى البركات محمد بن أسعد الحسيني الجواني محررة