تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٨٨
أي: انتحى. ومن قال: هو محذوف، وهو رأي البصريين، فقدره الزمخشري: فعلوا به ما فعلوا من الأذى، وحكى الحكاية الطويلة فيما فعلوا به، وما حاوروه وحاورهم به. قدره بعضهم: فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب عظمت فتنتهم، وقدره بعضهم جعلوه فيها، وهذا أولى إذ يدل عليه قوله: وأجمعوا أن يجعلوه والظاهر أن الضمير في وأوحينا إليه عائد على يوسف، وهو وحي إلهام قاله مجاهد. وروي عن ابن عباس: أو منام. وقال الضحاك وقتادة: نزل عليه جبريل في البئر. وقال الحسن: أعطاه الله النبوة في الجب وكان صغيرا، كما أوحى إلي يحيى وعيسى عليهما السلام، وهو ظاهر أوحينا، ويدل على أن الضمير عائد على يوسف قوله لهم قال: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون. وقيل: الضمير في إليه عائد على يعقوب، وإنما أوحي إليه ليأنس في الظلمة من الوحدة، وليبشر بما يؤول إليه أمره، ومعناه: للتخلص مما أنت فيه، ولتحدثن إخوتك بما فعلوا بك. وهم لا يشعرون جملة حالية من قوله: لتنبئنهم بهذا أي: غير عالمين أنك يوسف وقت التنبئة قاله ابن جريج، وذلك لعلو شأنك وعظمة سلطانك، وبعد حالك عن أذهانهم، ولطول العمر المبدل للهيئات والأشكال. وذكر أنهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون، دعا بالصواغ فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال: إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له: يوسف، وكان يدنيه دونكم، وأنكم انطلقتم به وألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيكم: أكله الذئب. وبيع بثمن بخس، ويجوز أن يكون وهم لا يشعرون حالا من قوله: وأوحينا أي: وهم لا يشعرون، قاله قتادة. أي: بإيحائنا إليك وما أخبرناك به من نجاتك وطول عمرك، إلى أن تنبئهم بما فعلوا بك. وقرأ الجمهور لتنبئنهم بتاء الخطاب، وابن عمر بياء الغيبة، وكذا في بعض مصاحف البصرة. وقرأ سلام بالنون.
والذي يظهر من سياق الأخبار والقصص أن يوسف كان صغيرا، فقيل: كان عمره إذ ذاك سبع سنين. وقيل: ست، قاله الضحاك. وأبعد من ذهب إلى أنه اثنتا عشرة سنة، وثمان عشرة سنة، وكلاهما عن الحسن، أو سبع عشرة سنة قاله ابن السائب. ويدل على أنه كان صغيرا بحيث لا يدفع نفسه قوله: وأخاف أن يأكله الذئب ويرتع ويلعب وإنا له لحافظون، وأخذ السيارة له، وقول الوارد: هذا غلام، وقول العزيز: عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا، وما حكى من حملهم إياه واحدا بعد واحد، ومن كلامه لأخيه يهوذا: ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني، وارحم قلب أبيك يعقوب. ومن هو ابن ثمان عشرة سنة لا يخاف عليه من الذئب ولا سيما إن كان في رفقة، ولا يقال فيه: وإنا له لحافظون، لأنه إذ ذاك قادر على التحيل في نجاة نفسه، ولا يسمى غلاما إلا بمجاز، ولا يقال فيه: أو نتخذه ولدا. وعشاء نصب على الظرف، أو من العشوة والعشوة: الظلام، فجمع على فعال مثل راع ورعاء، ويكون انتصابه على الحال كقراءة الحسن عشا على وزن دجى، جمع عاش، حذف منه الهاء كما حذفت في مالك، وأصله مالكة. وعن الحسن عشيا على التصغير. قيل: وإنما جاؤوا عشاء ليكون أقدر على الاعتذار في الظلمة، ولذا قيل: لا تطلب الحاجة
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»