تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٨٥
* فإن أنا يوما غيبتني غيابتي * فسيروا بسيري في العشيرة والأهل * . وقرأ الجمهور: غيابة على الإفراد، ونافع: غيابات على الجمع، جعل كل جزء مما يغيب فيه غيابة. وقرأ ابن هرمز: غيابات بالتشديد والجمع، والذي يظهر أنه سمى باسم الفاعل الذي للمبالغة، فهو وصف في الأصل، وألحقه أبو علي بالاسم الجائي على فعال نحو ما ذكر سيبويه من الغياد. قال أبو الفتح: ووجدت من ذلك المبار المبرح والفخار الخزف. وقال صاحب اللوامح: يجوز أن يكون على فعالات كحمامات، ويجوز أن يكون على فيعالات كشيطانات في جمع شيطانة، وكل للمبالغة. وقرأ الحسن: في غيبة، فاحتمل أن يكون في الأصل مصدرا كالغلبة، واحتمل أن يكون جمع غائب كصانع وصنعة. وفي حرف أبي في غيبة بسكون الياء، وهي ظلمة الركية. وقال قتادة في جماعة: الجب بئر بيت المقدس، وقال وهب: بأرض الأردن، وقال مقاتل: على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب، وقيل: بين مدين ومصر. وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة، وأبو رجاء: تلتقطه بتاء التأنيث، أنث على المعنى كما قال:
* إذا بعض السنين تعرفتنا * كفى الأيتام فقد أبى اليتيم * والسيارة جمع سيار، وهو الكثير السير في الأرض. والظاهر أن الجب كان فيه ماء، ولذلك قالوا: يلتقطه بعض السيارة. وقيل: كان فيه ماء كثير يغرق يوسف، فنشرز حجر من أسفل الجب حتى ثبت يوسف عليه. وقيل: لم يكن ماء فأخرجه الله فيه حتى قصده الناس. وروي: أنهم رموه بحبل في الجب، فتماسك بيديه حتى ربطوا يديه ونزعوا قميصه ورموه، حينئذ وهموا بعد برضحه بالحجارة فمنعهم أخوهم المشير بطرحه من ذلك. ومفعول فاعلين محذوف أي: فاعلين ما يحصل به غرضكم من التفريق بينه وبين أبيه.
* (قالوا يأبانا * أبا * مالك * لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون * أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون * قال إنى ليحزننى أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون * قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون) *: لما تقرر في أذهانهم التفريق بين يوسف وأبيه، أعملوا الحيلة على يعقوب وتلطفوا في إخراجه معهم، وذكروا نصحهم له وما في إرساله معهم من انشراح صدره بالارتعاء واللعب، إذ هو مما يشرح الصبيان، وذكروا حفظهم له مما يسوؤه. وفي قولهم: ما لك لا تأمنا، دليل على أنهم تقدم منهم سؤال في أن يخرج معهم، وذكروا سبب الأمن وهو النصح أي: لم لا تأمنا عليه وحالتنا هذا؟ والنصح دليل على الأمانة، ولهذا قرنا في قوله: ناصح أمين، وكان قد أحسن منهم قبل ما أوجب أن لا يأمنهم عليه. ولا تأمنا جملة حالية، وهذا الاستفهام صحبة التعجب.
وقرأ زيد بن علي، وأبو جعفر، والزهري، وعمرو بن عبيد: بإدغام نون تأمن في نون الضمير من غير إشمام ومجيئه بعد مالك، والمعنى: يرشد إلى أنه نفي لا نهي، وليس كقولهم: ما أحسننا في التعجب، لأنه لو أدغم لالتبس بالنفي. وقرأ الجمهور: بالإدغام والإشمام للضم، وعنهم إخفاء الحركة، فلا يكون إدغاما محضا. وقرأ ابن هرمز: بضم الميم، فتكون الضمة منقولة إلى الميم من النون الأولى بعد
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»