تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٧٦
واستمرت من قولهم تم على الأمر إذا مضى عليه، قال مجاهد: المعنى ما سبق لهم في علمه وكلامه في الأزل من النجاة من عدوهم والظهور عليه، وقال المهدوي وتبعه الزمخشري: الكلمة قوله تعالى * (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الارض * إلى * قوله * ما كانوا يحذرون) *. وقيل: * (هى * قوله * عسى ربكم أن يهلك عدوكم) * الآية، وقيل: الكلمة النعمة والحسنى تأنيث الأحسن وهي صفة للكلمة وكانت الحسنى لأنها وعد بمحبوب قاله الكرماني والمعنى على من بقي من مؤمني بني إسرائيل * (بما صبروا) * أي بصبرهم، وقرأ الحسن كلمات على الجمع ورويت عن عاصم وأبي عمرو، قال الزمخشري: ونظيره * (لقد رأى من ءايات ربه الكبرى) * انتهى، يعني نظير وصف الجمع بالمفرد المؤنث ولا يتعين ما قاله من أن الكبرى نعت لآيات ربه إذ يحتمل أن يكون مفعولا لقوله رأى أي الآية الكبرى فيكون في الأصل نعتا لمفرد مؤنث لا يجمع وهو أبلغ في الوصف.
* (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا) * أي خربنا قصورهم وأبنيتهم بالهلاك والتدمير الإهلاك وإخراب الأبنية، وقيل: ما كان يصنع من التدبير في أمر موسى عليه السلام وإخماد كلمته. وقيل: المراد إهلاك أهل القصور والمواضع المنيعة وإذا هلك الساكن هلك المسكون * (وقومه وما كانوا يعرشون) * أي يرفعون من الأبنية المشيدة كصرح هامان وغيره، وقال الحسن: المراد عرش الكروم ومنه * (وجنات * معروشات) *، وقرأ ابن عامر وأبو بكر بضم الراء وباقي السبعة والحسن ومجاهد وأبو رجاء بكسر الراء هنا وفي النحل وهي لغة الحجاز، وقال اليزيدي: هي أفصح، وقرأ ابن أبي عبلة يعرشون بضم الياء وفتح العين وتشديد الراء وانتزع الحسن من هذه الآية أنه ينبغي أنه لا يخرج على ملوك السماء وإنما ينبغي أن نصبر لهم وعليهم فإن الله يدمرهم، وروي عنه وعن غيره إذا قابل الناس البلاء بمثله وكلهم الله إليه وإذا قابلوه بالصبر وانتظار الفرج أتى الفرج، قال الزمخشري: وبلغني أنه قرأ بعض الناس يغرسون من غرس الأشجار وما أحسبه إلا تصحيفا وهذا آخر ما اقتص الله تعالى من نبأ فرعون والقبط وتكذيبهم بآيات الله وظلمهم ومعارضته ثم أتبعه اقتصاص نبأ بني إسرائيل وما أحدثوه بعد إنقاذهم من مملكة فرعون، واستعباده، ومعاينتهم الآيات العظام ومجاوزتهم البحر من عبادة البقر، وطلب رؤية الله جهرة، وغير ذلك من أنواع الكفر والمعاصي ليعلم حال الإنسان وأنه كما وصف ظلوم كفار جهول كفور إلا من عصمه الله تعالى و * (قليل منهم * عبادى الشكور) * وليسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم) مما رأى من بني إسرائيل بالمدينة. * (وجاوزنا ببنى إسراءيل البحر) * لما بين أنواع نعمه تعالى على بني إسرائيل بإهلاك عدوهم اتبع بالنعمة العظمى من إراءتهم هذه الآية العظيمة وقطعهم البحر مع السلامة والبحر بحر القلزم، وأخطأ من قال إنه نيل مصر ومعنى * (* جاوزنا) * قطعنا بهم البحر يقال جاوز الوادي إذا قطعه والباء للتعدية يقال جاوز الوادي إذا قطعه، وجاوز بغيره البحر عبر به فكأنه قال وجزنا ببني إسرائيل أي أجزناهم البحر وفاعل بمعنى فعل المجرد يقال جاوز وجاز بمعى واحد، وقرأ الحسن وإبراهيم وأبو رجاء ويعقوب وجوزنا وهو مما جاء فيه فعل بمعنى فعل المجرد نحو قدر وقدر وليس التضعيف للتعدية روي أنه عبر بهم موسى عليه السلام يوم عاشوراء بعدما أهلك الله فرعون وقومه فصاموا شكرا لله وأعطى موسى التوراة يوم النحر فبين الأمرين أحد عشر شهرا. * (البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم) * قال قتادة وأبو عمرو الجوني: هم من لخم وجذام كانوا يسكنون الريف، وقيل: كانوا نزولا بالرقة رقة مصر وهي قرية بريف مصر تعرف بساحل البحر يتوصل منها إلى الفيوم
(٣٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»