تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٠
بصائر إلا أنها لقوتها وجلائها توجب البصائر لمن عرفها، فلما كانت أسبابا لحصول البصائر سميت بصائر.
* (وما أنا عليكم بحفيظ) * أي برقيب أحصر أعمالكم أو بوكيل آخذكم بالإيمان أو بحافظكم من عذاب الله أو برب أجازيكم أو بشاهد أقوال رابعها للحسن وخامسها للزجاج، وقال الزمخشري: * (بحفيظ) * أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها إنما أنا منذر والله هو الحفيظ عليكم. انتهى، وهو بسط قول الحسن، وقال ابن عطية: كان قبل ظهور الإسلام ثم بعد ذلك كان حفيظا على العالم آخذا لهم بالإسلام والسيف.
* (وكذالك نصرف الايات) * أي ومثل ما بينا تلك الآيات التي هي بصائر وصرفناها نصرف الآيات ونرددها على وجوه كثيرة.
* (وليقولوا درست) * يعني أهل مكة حين يقرأ عليهم القرآن، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو دارست أي دارست يا محمد غيرك في هذه الأشياء أي قارأته وناظرته إشارة منهم إلى سلمان وغيره من الأعاجم واليهود، وقرأ ابن عامر وجماعة من غير السبعة * (درست) * مبنيا للفاعل مضمرا فيه أي درست الآيات أي ترددت على أسماعهم حتى بليت وقدمت في نفوسهم وأمحت، وقرأ باقي السبعة * (درست) * يا محمد في الكتب القديمة ما تجيئنا به كما قالوا: * (أساطير الاولين اكتتبها) *، وقال الضحاك: * (درست) * قرأت وتعلمت من أبي فكيهة وجبر ويسار، وقرئ * (درست) * بالتشديد والخطاب أي درست الكتب القديمة، وقرئ درست مشددا مبنيا للمفعول المخاطب، وقرئ دورست بالتخفيف والواو مبنيا للمفعول والواو مبدلة من الألف في دارست، وقرأت فرقة دارست أي دارستك الجماعة الذين تتعلم منهم وجاز الإضمار، لأن الشهرة بالدراسة كانت لليهود عندهم، ويجوز أن يكون الفعل للآيات وهو لأهلها أي دارس أهل الآيات، وقرأت فرقة * (درست) * بضم الراء مسندا إلى غائب مبالغة في درست أي اشتد دروسها وبلاها، وقرأ قتادة والحسن وزيد بن علي * (درست) * مبنيا للمفعول وفيه ضمير الآيات غائبا وهي قراءة ابن عباس بخلاف عنه، قال أبو الفتح: ويحتمل أن يراد عفيت أو تليت وكذا قال الزمخشري: قال بمعنى قرئت أو عفيت أما بمعنى قرئت فظاهر لأن درس بمعنى كرر القراء متعد وأما درس بمعنى بلى وأمحى فلا أحفظه متعديا، وما وجدناه في أشعار من وقفنا على شعره من العرب إلا لازما، وقرأ أبي درس أي محمد أو الكتاب وهي مصحف عبد الله، وروي عن الحسن درسن مبنيا للفاعل مسندا إلى النون أي درس الآيات وكذا هي في بعض مصاحف عبد الله، وقرأت فرقة درسن بتشديد الراء مبالغة في درسن، وقرئ دراسات أي هي قديمات أو ذات درس كعيشة راضية فهذه ثلاث عشر قراءة في هذه الكلمة، وقرأت طائفة * (وليقولوا) * بسكون اللام على جهة الأمر المتضمن للتوبيخ والوعيد، وقرأ الجمهور بكسرها وقالوا: هذه اللام هي التي تضمر أن بعدها والفعل منصوب بأن المضمرة. قال ابن عطية: على أنها لام كي وهي على هذا لام الصيرورة كقوله: * (فالتقطه ءال فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * أي لما صار أمرهم إلى ذلك، وقال الزمخشري: و * (ليقولوا) * جوابه محذوف تقديره وليقولوا دارست تصرفها (فإن قلت): أي فرق بين اللامين في * (ليقولوا) * و * (* لنبينه) * (قلت): الفرق بينهما أن الأولى مجاز والثانية حقيقة وذلك أن الآيات صرفت للتبيين ولم تصرف ليقولوا دارست ولكنه لأنه حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل التبيين شبه
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»