تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٩٧
دون من اتخذه شريكا له وهم الجن فجعلوا من لم يخلقهم شريكا لخالقهم وهذه غاية الجهالة، وقيل الضمير يعود على الجن أي والله خلق من اتخذوه شريكا له فهم متساوون في أن الجاعل والمجعول مخلوقون لله فكيف يناسب أن يجعل بعض المخلوق شريكا لله تعالى؟ وقرأ يحيى بن يعمر * (وخلقهم) * بإسكان اللام وكذا في مصحف عبد الله، والظاهر أنه عطف على الجن أي وجعلوا خلقهم الذي ينحتونه أصناما شركاء لله كما قال تعالى: * (أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون) * فالخلق هنا واقع على المعمول المصنوع بمعنى المخلوق، قال: هنا معناه ابن عطية، وقال الزمخشري: وقرئ * (وخلقهم) * أي اختلاقهم الإفك يعني وجعلوا لله خلقهم حيث نسبوا قبائحهم إلى الله في قولهم والله أمرنا بها انتهى، فالخلق هنا مصدر بمعنى الاختلاق.
* (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم) * أي اختلقوا وافتروا، ويقال خرق الإفك وخلقه واختلقه واخترقه واقتلعه وافتراه وخرصه إذ كذب فيه قاله الفراء، وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون من خرق الثوب إذا شقه أي اشتقوا له بنين وبنات، وقال قتادة ومجاهد وابن زيد وابن جريج: * (* خرقوا) * كذبوا وأشار بقوله: * (كأنهم بنيان) * إلى أهل الكتابين في المسيح وعزير، * (وبنات) * إلى قريش في الملائكة، وقرأ نافع * (وخرقوا) * بتشديد الراء وباقي السبعة بتخفيفها، وقرأ ابن عمر وابن عباس وحرفوا بالحاء المهملة والفاء وشدد ابن عمر الراء وخففها ابن عباس بمعنى وزورا له أولادا لأن المزور محرف مغير للحق إلى الباطل، ومعنى * (بغير علم) * من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطاب وصواب، ولكن رميا بقول عن عمي وجهالة من غير فكر وروية وفيه نص على قبح تقحمهم المجهلة وافترائهم الباطل.
* (سبحانه وتعالى عما يصفون) * نزه ذاته عن تجويز المستحيلات عليه والتعالي هنا هو الارتفاع المجازي ومعناه أنه متقدس في ذاته عن هذه الصفات قيل: وبين * (سبحانه وتعالى) * فرق من جهة أن سبحان مضاف إليه تعالى فهو من حيث المعنى منزه وتعالى فيه إسناد التعالي إليه على جهة الفاعلية فهو راجع إلى صفات الذات سواء سبحه أحد أم لم يسبحه.
* (بديع * السماوات والارض) * تقدم تفسيره في البقرة.
* (أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة) * أي كيف يكون له ولد؟ وهذه حاله أي إن الولد إنما يكون من الزوجة وهو لا زوجة له ولا ولد، وقرأ النخعي: ولم يكن بالياء ووجه على أن فيه ضميرا يعود على الله أو على أن فيه ضمير الشأن، والجملة في هذين الوجهين في موضع خبر * (تكن) * أو على ارتفاع * (صاحبة) * بتكن وذكر للفصل بين الفعل والفاعل كقوله:
لقد ولد الأخيطل أم سوء وحضر للقاضي امرأة.
وقال ابن عطية: وتدكيرها وأخواتها مع تأنيث اسمها أسهل من ذلك في سائر الأفعال. انتهى، ولا أعرف هذا عن النحويين، ولم يفرقوا بين كان وغيرها والظاهر ارتفاع بديع على أنه خبر مبتدأ أي هو بديع فيكون الكلام جملة واستقلال الجملة بعدها، وجوزوا أن يكون بديع مبتدأ والجملة بعده خبره فيكون انتفاء الولدية من حيث المعنى بجهتين: إحداهما: انتفاء الصاحبة، والأخرى: كونه بديعا أي عديم المثل ومبدعا لما
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»