خلق ومن كان بهذه الصفة لا يمكن أن يكون له ولد لأن تقدير الولدية وتقدير الإبداع ينافي الولدية، وهذه الآية رد على الكفار بقياس الغائب على الشاهد، وقرأ المنصور: بديع بالجر ردا على قوله: * (جعلوا لله) * أو على * (سبحانه) *. وقرأ صالح الشامي: بديع بالنصب على المدح.
* (وخلق كل شىء) * قيل: هذا عموم معناه الخصوص أي وخلق العالم فلا تدخل فيه صفاته ولا ذاته كقوله: * (ورحمتى وسعت كل شىء) * ولا تسع إبليس ولا من مات كافرا وتدمر كل شيء ولم تدمر السماوات والأرض، قال ابن عطية: ليس هو عموما مخصصا على ما ذهب إليه قوم لأن العموم المخصص هو أن يتناول العموم شيئا ثم يخرجه بالتخصيص، وهذا لم يتناول قط هذا الذي ذكرناه وإنما هو بمنزلة قول الإنسان: قتلت كل فارس وأفحمت كل خصم فلم يدخل القاتل قط في هذا العموم الظاهر من لفظه، قال الزمخشري: وفيه إبطال الولد من ثلاثة أوجه: أحدها: أن مبتدع السماوات والأرض وهي أجسام عظيمة لا يستقيم أن يوصف بالولادة، لأن الولادة من صفات الأجسام ومخترع الأجسام لا يكون جسما حتى يكون والدا، والثاني: إن الولادة لا تكون إلا بين زوجين من جنس واحد، وهو تعالى متعال عن مجانس فلم يصح أن تكون له صاحبة فلم تصح الولادة، والثالث: أنه ما من شيء إلا وهو خالقه والعالم به ومن كان بهذه الصفة كان غنيا عن كل شيء والولد إنما يطلبه المحتاج.
* (وهو بكل شىء * عظيم) * قال ابن عطية: هذا عموم على الإطلاق لأن الله تعالى يعلم كل شيء، وقال التبريري: * (بكل شىء) * من الواجب والممكن والممتنع.
* (ذالكم الله ربكم لا إلاه إلا هو خالق كل شىء فاعبدوه وهو على كل شىء وكيل) * أي * (ذالكم) * الموصوف بتلك الأوصاف السابقة من كونه بديعا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا خالق الموجودات عالما بكل شيء هو الله بدأ بالاسم العلم ثم قال: * (ربكم) * أي مالككم والناظر في مصالحكم، ثم حصر الألوهية فيه ثم كرر وصف خلقه * (كل شىء) * ثم أمر بعبادته لأن من استجمعت فيه هذه الصفات كان جديرا بالعبادة وأن يفرد بها فلا يتخذ معه شريك، ثم أخبر أنه مع تلك الصفات السابقة التي منها خلق كل شيء وهو المالك لكل شيء من الأرزاق والآجال رقيب على الأعمال.
* (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) * الإدراك قيل معناه الإحاطة بالشيء وبذلك فسره هنا ابن عباس وقتادة وعطية العوفي وابن المسيب والزجاج، قال ابن المسيب لا تحيط به الأبصار، وقال الزجاج: لا تحيط بحقيقته والإدراك يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى أعماقه وحوزه من جميع جهاته أو كنى بالإبصار عن الأشخاص لأن بها تدرك الأشخاص الأشياء، وكان المعنى لا تدركه الخلق وهو يدركهم أو يكون المعنى إبصار القلب أي لا تدركه علوم الخلق وهو يدرك علومهم وذواتهم، لأنه غير محاط به وهو على هذا مستحيل على الله عند المسلمين ولا تنافي الرؤية انتفاء الإدراك، وقيل: الإدراك هنا الرؤية وهي مختلف فيها بين المسلمين فالمعتزلة يحيلونها وأهل السنة يجوزونها عقلا ويقولون: هي واقعة سمعا وهذه مسألة يبحث عنها في علم أصول الدين وفيه ذكر دلائل الفريقين مستوفاة وقد رأيت فيها لأبي جعفر الطوسي وهو من عقلاء الإمامية سفرا كبيرا ينصر فيه مقالة أصحابه نفاة الرؤية وقد استدل نفاة الرؤية بهذه الآية لمذهبهم وأجيبوا بأن الإدراك غير الرؤية، وعلى تسليم أن الإدراك هو الرؤية فالإبصار مخصوصة أي أبصار الكفار الذين سبق ذكرهم أو لا تدركه في الدنيا، قال الماتريدي: والبصر هو الجوهر اللطيف الذي ركبه الله تعالى في حاسة النظر به تدرك المبصرات وفي قوله: * (وهو يدرك الابصار) * دلالة على أن الإدراك لا يراد به هنا مجرد الرؤية إذ لو كان مجرد الرؤية لم يكن له تعالى بذلك اختصاص ولا تمدح، لأنا نحن نرى الأبصار فدل على أن معنى الإدراك الإحاطة بحقيقة الشيء فهو تعالى لا تحيط بحقيقته الأبصار وهو محيط بحقيقتها، وقال