تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٥
انتفاء إيمانهم لا سبيل لكم إلى الشعور بها، القراءة الرابعة: فتح الهمزة والتاء وهي قراءة ابن عامر وحمزة، والظاهر أنه خطاب للكفار ويتضح معنى هذه القراءة على زيادة لا أي وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت كما أقسمتم عليه، وعلى تأويل أن بمعنى لعل وكون لا نفيا أي وما يدريكم بحالهم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون بها وكذلك يصح المعنى على تقدير حذف المعطوف أي وما يدريكم بانتفاء إيمانكم إذا جاءت أو وقوعه لأن مآل أمركم مغيب عنكم فكيف تقسمون على الإيمان إذا جاءتكم الآية، وكذلك يصح معناها على تقدير أي على أن تكون أنها علة أي * (قل إنما الايات عند الله) * فلا يأتيكم بها لأنها * (إذا جاءت لا يؤمنون) * وما يشعركم بأنكم تؤمنون وأما على إقرار أن * (أنها) * معمولة * (* ليشعركم) * وبقاء * (لفتاه لا) * على النفي فيشكل معنى هذه القراءة لأنه يكون المعنى * (وما يشعركم) * أيها الكفار بانتفاء إيمانكم إذا جاءتكم الآية المقترحة، والذي يناسب صدر الآية * (وما يشعركم) * بوقوع الإيمان منكم إذا جاءت، وقد يصح أن يكون التقدير: وأي شيء يشعركم بانتفاء الإيمان إذا جاءت، أي لا يقع ذلك في خواطركم بل أنتم مصممون على الإيمان إذا جاءت، وأنا أعلم أنكم لا تؤمنون إذا جاءت لأنكم مطبوع على قلوبكم. وكم آية جاءتكم فلم تؤمنوا. وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن ما في قوله * (وما يشعركم) * نافية والفاعل بيشعركم ضمير يعود على الله، ويتكلف معنى الآية على جعلها نافية، سواء فتحت أن أم كسرت. ومتعلق * (لا يؤمنون) * محذوف وحسن حذفه كون ما يتعلق به وقع فاصلة، وتقديره * (لا يؤمنون) * بها وقد اتضح من ترتيب هذه القراءات الأربع أنه لا يصلح أن يكون الخطاب للمؤمنين على الإطلاق ولا للكفار على الإطلاق، بل الخطاب يكون على ما يصح به المعنى الذي للقراءة.
* (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم فى طغيانهم يعمهون) * الظاهر أن قوله: * (ونقلب) * جملة استئنافية أخبر تعالى أنه يفعل بهم ذلك وهي إشارة إلى الحيرة والتردد وصرف الشيء عن وجهه. والمعنى أنه تعالى يحولهم عن الهدى ويتركهم في الضلال والكفر. وكما للتعليل أي يفعل بهم ذلك لكونهم لم يؤمنوا به أول وقت جاءهم هدى الله كما قال تعالى: * (وأما الذين فى قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) * ويؤكد هذا المعنى آخر الآية * (ونذرهم فى طغيانهم يعمهون) * أي ونتركهم في تغمطهم في الشر والإفراط فيه يتحيرون، وهذا كله إخبار من الله تعالى بفعله بهم في الدنيا. وقالت فرقة: هذا الإخبار هو على تقدير: أنه لو جاءت الآية التي اقترحوها صنعنا بهم ذلك. ولذلك قال الزمخشري * (ونقلب أفئدتهم) * * (ونذرهم) * عطف على * (لا يؤمنون) * داخل في حكم * (وما يشعركم) * بمعنى وما يشعركم أنهم لا يؤمنون * (وما يشعركم) * إنا * (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) * أي فنطبع على أبصارهم وقلوبهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق كما كانوا عند نزول آياتنا أولا لا يؤمنون بها، لكونهم * (وما يشعركم) * إنا * (ويمدهم في طغيانهم) * أي نخليهم وشأنهم لا نكفهم ونصرفهم عن الطغيان حتى يعمهوا فيه انتهى.
وهذا معنى ما قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد قالوا: لو أتيناهم بآية كما سألوا لقلبنا أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان بها، وحلتا بينهم وبين الهدى فلم يؤمنوا كما لم يؤمنوا بما رأوا قبلها، عقوبة لهم على ذلك. والفرق بين هذا القول والذي بدأنا به أولا أن ذلك استئناف إخبار بما يفعل بهم تعالى في الدنيا. وهذا إخبار على تقدير مجيء الآية المقترحة فذلك واقع وهذا غير واقع، لأن الآية المقترحة لم تقع فلم يقع ما رتب عليها.
وقال مقاتل: نقلب أفئدة هؤلاء وأبصارهم عن الإيمان وعن الآيات كما لم يؤمن أوائلهم من الأمم الخالية بما رأوا من الآيات.
وقيل: تقليبها بإزعاج نفوسهم هما وغما.
وقال الكرماني: مغناه أنا نحيط علما بذات الصدور وخائنة الأعين منهم انتهى.
ولا يستقيم هذا التفسير لقوله: * (كما لم يؤمنوا به أول مرة) * لا على التعليل ولا على التشبيه إلا أن جعل متعلقا بقوله * (أنها جاءت لا يؤمنون) * أي * (كما لم يؤمنوا به أول مرة) * فيصح على بعد في تفسير التقليب
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»