تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٩٥
* (انظروا إلى * ثمرة * إذا أثمر وينعه) * النظر نظر رؤية العين ولذلك عداه بإلى لكن يترتب عليه الفكر والاعتبار والاستبصار والاستدلال على قدرة باهرة تنقله من حال إلى حال، ونبه على حالين الابتداء وهو وقت ابتداء الأثمار والانتهاء وهو وقت نضجه أي كيف يخرجه ضئيلا ضعيفا لا يكاد ينتفع به وكيف يعود نضيجا مشتملا على منافع؟ ونبه على هاتين الحالتين وإن كان بينهما أحوال يقع بها الاعتبار والاستبصار لأنهما أغرب في الوقوع وأظهر في الاستدلال، وقرأ ابن وثاب ومجاهد وحمزة والكسائي * (إلى * ثمرة) * بضم الثاء والميم. قال ابن وثاب: ومجاهد وهي أصناف الأموال يعني الأموال التي تتحصل منه، قال أبو علي: والأحسن أن يكون جمع ثمرة كخشبة وخشب وأكمة وأكم ونظيره في المعتل لابة ولوب وناقة ونوق وساحة وسوح وقرأت فرقة بضم الثاء وإسكان الميم طلبا للخفة كما تقول في الكتب كتب، وقرأ باقي السبعة * (ثمرة) * بفتح الثاء والميم وهو اسم جنس كشجرة وشجر والثمر حتى الشجر وما يطلع وإن سمى الشجرثما فمجاز والعامل في إذا * (انظروا) * وقرأ الجمهور وينعه بفتح الياء وسكون النون، وقرأ قتادة والضحاك وابن محيصن بضم الياء وسكون النون، وقرأ ابن أبي عبلة واليماني ويانعة اسم فاعل من ينع ونسبها الزمخشري إلى ابن محيصن، وقال المروزي: * (إذا أثمر) * عند لا ظل له دائم فلا ينضج ولا شمس دائمة فتحرق أرسل على كل فاكهة ريحين مختلفين ريح تحرك الورق فيبدو الثمر فتقرعه الشمس وريح أخرى تحرك الورق وتظل الثمر فلا يحترق.
* (إن فى ذالكم لايات لقوم يؤمنون) * الإشارة بذلكم إلى جميع ما سبق ذكره من فلق الحب والنوى إلى آخر ما خلق تعالى وما امتن به، والآيات العلامات الدالة على كمال قدرته وإحكام صنعته وتفرده بالخلق دون غيره، وظهور الآيات لا ينفع إلا لمن قدر الله له الإيمان فأما من سبق قدر الله له بالكفر فإنه لا ينتفع بهذه الآيات. فنبه بتخصيص الإيمان على هذا المعنى وانظر إلى حسن مساق هذا الترتيب لما تقدم * (إن الله فالق الحب والنوى) * جاء الترتيب بعد ذلك تابعا لهذا الترتيب فحين ذكر أنه أخرج نبات كل شيء ذكر الزرع وهو المراد بقوله: * (خضرا نخرج منه حبا متراكبا) * وابتدأ به كما ابتدأ به في قوله: * (فالق الحب) * ثم ثنى بما له نوى فقال: * (من * النخل من طلعها قنوان دانية) * إلى آخره كما ثنى به في قوله: * (والنوى) * وقدم الزرع على الشجر لأنه غذاء والثمر فاكهة، والغذاء مقدم على الفاكهة، وقدم النخل على سائر الفواكه لأنه يجري مجرى الغذاء بالنسبة إلى العرب، وقدم العنب لأنه أشرف الفواكه وهو في جميع أطواره منتفع به حنوط ثم حصرم ثم عنب ثم إن عصر كان منه خل ودبس وإن جفف كان منه زبيب، وقدم الزيتون لأنه كثير المنفعة في الأكل وفيما يعصر منه من الدهن العظيم النفع في الأكل والاستصباح وغيرهما، وذكر الرمان لعجب حاله وغرابته فإنه مركب من قشر وشحم وعجم وماء، فالثلاثة باردة يابسة أرضية كثيفة قابضة عفصة قوية في هذه الصفات، وماؤه بالضد ألذ الأشربة وألطفها وأقربها إلى حيز الاعتدال وفيه تقوية للمزاج الضعيف غذاء من وجه ودواء من وجه، فجمع تعالى فيه بين المتضادين المتعاندين فما أبهر قدرته وأعجب ما خلق.
* (وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم) * لما ذكر تعالى ما اختص به من باهر قدرته ومتقن صنعته وامتنانه على عالم الإنسان بما أوجد له مما يحتاج إليه في قوام حياته، وبين ذلك * (لقوم يعقلون * يعلمون) * * (لعلهم يفقهون) * * (لا يؤمنون) * ذكر ما عاملوا به منشئهم من العدم وموجد أرزاقهم من إشراك غيره له في عبادته، ونسبه ما هو مستحيل عليه من وصفه بسمات الحدوث من البنين والبنات، وقال الكلبي: نزلت في الزنادقة قالوا إن الله خالق الناس والدواب وإبليس خالق الحيات والعقارب والسباع ويقرب من هذا
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»