تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٤
* (لا يؤمنون) * البتة على تقدير مجيء الآية وتم الكلام عند قوله: * (وما يشعركم) * ومتعلق * (يشعركم) * محذوف أي * (وما يشعركم) * ما يكون فإن كان الخطاب للكفار كان التقدير * (وما) * ما يكون منكم ثم أخبر على جهة الالتفات بما علمه من حالهم لو جاءتهم الآيات وإن كان الخطاب للمؤمنين كان التقدير * (الله وما يشعركم) * أيها المؤمنون ما يكون منهم، ثم أخبر المؤمنين بعلمه فيهم، القراءة الثانية كسر الهمزة والتاء وهي رواية العليمي والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، والمناسب أن يكون الخطاب للكفار في هذه القراءة كأنه قيل: وما يدريكم أيها الكفار ما يكون منكم ثم أخبرهم على جهة الجزم أنهم لا يؤمنون على تقدير مجيئها ويبعد جدا أن يكون الخطاب في * (وما يشعركم) * للمؤمنين وفي لا تؤمنون للكفار، القراءة الثالثة فتح الهمزة والتاء وهي قراءة نافع والكسائي وحفص، فالظاهر أن الخطاب للمؤمنين والمعنى وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية التي تقترحونها إذا جاءت لا يؤمنون بها يعني أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنتم لا تدرون بذلك، وكان المؤمنون يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية، ويتمنون مجيئها فقال: وما يدريكم أنهم لا يؤمنون على معنى أنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون ألا ترى إلى قوله * (كما لم يؤمنوا به أول مرة) * ويبعد جدا أن يكون الخطاب في * (وما يشعركم) * للكفار وأن في هذه القراءة مصدرية ولا على معناها من النفي، وجعل بعض المفسرين أن هنا بمعنى لعل وحكي من كلامهم ذلك قالوا: إيت السوق إنك تشتري لحماير بدون لعلك، وقال امرؤ القيس:
* عوجا على الطلل المحيل لأننا * نبكي الديار كما بكى ابن حرام * وذكر ذلك أبو عبيدة وغيره ولعل تأتي كثيرا في مثل هذا الموضع قال تعالى: * (وما يدريك لعله يزكى) * * (وما يدريك لعل الساعة قريب) * وفي مصحف أبي وما أدراكم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وضعف أبو علي هذا القول بأن التوقع الذي يدل عليه لعل لا يناسب قراءة الكسر، لأنها تدل على حكمه تعالى عليهم بأنهم لا يؤمنون لكنه لم يجعل أنها معمولة * (* ليشعركم) * بل جعلها علة على حذف لامها والتقدير عنده * (بها قل إنما الايات عند الله) * لأنها إذا جاءت لا يؤمنون فهو لا يأتي بها لإصرارهم على كفرهم فيكون نظير وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون أي بالآيات المقترحة انتهى، ويكون * (وما يشعركم) * اعتراضا بين المعلول وعلته إذ صار المعنى: * (قل إنما الايات عند الله) * أي المقترحة لا يأتي بها لانتفاء أيمانهم وإصرارهم على ضلالهم وجعل بعضهم لا زائدة فيكون المعنى وما يدريكم بإيمانهم كما قالوا: إذا جاءت وإنما جعلها زائدة لأنها لو بقيت على النفي لكان الكلام عذرا للكفار وفسد المراد بالآية قاله ابن عطية، قال وضعف الزجاج وغيره زيادة لا، انتهى. قول ابن عطية والقائل بزيادة لا هو الكسائي والفراء، وقال الزجاج: زعم سيبويه أن معناها لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وهي قراءة أهل المدينة، قال: وهذا الوجه أقوى في العربية والذي ذكر أن لا لغو غالط لأن ما كان لغوا لا يكون غير لغو ومن قرأ بالكسر فالإجماع على أن لا غير لغو فليس يجوز أن يكون المعنى مرة إيجابا ومرة غير ذلك في سياق كلام واحد، وتأول بعض المفسرين الآية على حذف معطوف يخرج لا عن الزيادة وتقديره * (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) * أو يؤمنون أي ما يدريكم بانتفاء الإيمان أو وقوعه، ذكره النحاس وغيره، ولا يحتاج الكلام إلى زيادة لا ولا إلى هذا الإضمار ولا لا يكون أن بمعنى لعل وهذا كله خروج عن الظاهر لفرضه بل حمله على الظاهر أولى وهو واضح سائغ كما بحثناه أولا أي * (وما يشعركم) * ويدريكم بمعرفة
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»