انتهى. وما فسر به الحسن قد أوضحه بعض المعتزلة فقال: المراد بتزيين العمل تزيين المأمور به لا المنهى عنه ويحمل على الخصوص وإن كان عاما لئلا يؤدي إلى تناقض النصوص لأنه نص على تزيين الله للإيمان وتكريهه للكفر في قوله: * (حبب إليكم الايمان وزينه فى قلوبكم وكره إليكم الكفر) * فلو دخل تزيين الكفر في هذه الآية في المراد لوجب التناقض بين الآيتين ولذلك أضاف التزيين إلى الشيطان بقوله: * (زين لهم الشيطان أعمالهم) * فلا يكون الله مزينا ما زينه الشيطان فنقول: الله يزين ما يأمر به والشيطان يزين ما ينهى عنه حتى يكون ذلك عملا بجميع النصوص انتهى، وأجيب بأن لا تناقض لاختلاف التزيين تزيين الله بالخلق للشهوات وتزيين الشيطان بالدعاء إلى المعاصي فالآية على عمومها في كل أمة وفي عملهم.
* (ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) * أي أمرهم مفوض إلى الله وهو عالم بأحوالهم مطلع على ضمائرهم ومنقلبهم يوم القيامة إليه فيجازي كل بمقتضى عمله وفي ذلك وعد جميل للمحسن ووعيد للمسيء.
* (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم ءاية ليؤمنن بها) * أي آية من اقتراحهم نحو قولهم حتى تنزل * (إن نشأ ننزل عليهم من السماء ءاية فظلت أعناقهم لها خاضعين) * أنزلها علينا حتى نؤمن بها فقال المسلمون يا رسول الله أنزلها عليهم فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس أو نحو قولهم يجعل الصفا ذهبا حتى ذكروا معجزة موسى في الحجر وعيسى في إحياء الموتى وصالح في الناقة فقام الرسول يدعو فجاءه جبريل عليه السلام فقال له: إن شئت صبح الصفا ذهبا فإن لم يؤمنوا هلكوا عن آخرهم معاجلة كما فعل بالأمم الماضية، إذ لم يؤمنوا بالآيات المقترحة وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم فقال: (بل حتى يتوب تائبهم، وإنما اقترحوا آية معينة لأنهم شكوا في القرآن ولهذا قالوا: دارست أي العلماء وباحثت أهل التوراة والإنجيل وكابر أكثرهم وعاند، والمعنى أنهم حلفوا غاية حلفهم وسمي الحلف قسما لأنه يكون عند انقسام الناس إلى التصديق والتكذيب فكأنه يقوي القسم الذي يختاره، قال التبريزي: الإقسام إفعال من القسم الذي هو بمعنى النصيب والقسمة، وكان إقسامهم بالله غاية في الحلف وكانوا يقسمون بآبائهم وآلهتهم فإذا كان الأمر عظيما أقسموا بالله تعالى، والجهد: بفتح الجيم المشقة وبضمها الطاقة ومنهم من يجعلهما بمعنى واحد وانتصب جهد على المصدر المنصوب بأقسموا أي أقسموا جهد إقساماتهم والأيمان بمعنى الإقسامات كما تقول: ضربته أشد الضربات، وقال الحوفي: مصدر في موضع الحال من الضمير في * (أقسموا) * أي مجتهدين في أيمانهم، وقال المبرد: مصدر منصوب بفعل من لفظه وقد تقدم الكلام على * (جهد أيمانهم) * في المائدة، ولئن جاءتهم أخبار عنهم لا حكاية لقولهم إذ لو حكي قولهم لكان لئن جاءتنا آية وتعامل الإخبار عن القسم معاملة حكاية القسم بلفظ ما نطق به المقسم، وأنه لا يراد بها مطلق آية إذ قد جاءتهم آيات كثيرة ولكنهم أرادوا آية مقترحة كما ذكرناه، وقرأ طلحة بن مصرف * (ليؤمنن بها) * مبنيا للمفعول وبالنون الخفيفة.
* (قل إنما الايات عند الله) * هذا أمر بالرد عليهم وأن مجيء الآيات ليس لي إنما ذلك لله تعالى وهو القادر عليها ينزلها على وجه المصلحة كيف شاء لحكمته وليست عندي فتقترح علي.
* (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) * استفهامية ويعود عليها ضمير الفاعل في * (يشعركم) *، وقرأ قوم بسكون ضمة الراء، وقرئ باختلاسها وأما الخطاب فقال مجاهد وابن زيد: هو للكفار، وقال الفراء وغيره: المخاطب بها المؤمنون، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والعليمي والأعشى عن أبي بكر، وقال ابن عطية ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية داود الإيادي أنها بكسر الهمزة، وقرأ باقي السبعة بفتحها، وقرأ ابن عامر وحمزة لا تؤمنون بتاء الخطاب، وقرأ باقي السبعة بياء الغيبة فترتبت أربع قراءات الأولى كسر الهمزة والياء وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وأبي بكر بخلاف عنه في كسر الهمزة وهذه قراءة واضحة، أخبر تعالى أنهم