تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٠١
به فسيق مساقه، وقيل * (ببعض ليقولوا) * كما قيل: * (* لنبينه) * انتهى، وتسميته ما يتعلق به قوله ليقولوا جوابا اصطلاح غريب ومثل هذا لا يسمى جوابا لا تقول: في جئت من قولك: جئت لتقوم أنه جواب وهذا الذي ذكره الزمخشري من تخريج * (ببعض ليقولوا) * عليه هو الذي ذهب إليه من أنكر لام الصيرورة وهي التي تسمى أيضا لام العاقبة والمآل وهو أنه لما ترتب على التقاطه كونه صار لهم عدوا وحزنا جعل كأنه علة لالتقاطه فهو علة مجازية، وقال أبو علي الفارسي: واللام في * (ليقولوا) * على قراءة ابن عامر ومن وافقه بمعنى لئلا يقولوا أي صرف الآيات وأحكمت لئلا يقولوا هذه أساطير الأولين قديمة قد تليت وتكررت على الأسماع واللام على سائر القراءات لام الصيرورة، وما أجازه أبو علي من إضمار لا بعد اللام المضمر بعدها أن هو مذهب لبعض الكوفيين، وتقدير الكلام لئلا يقولوا كما أضمروها بعد أن المظهرة في قوله: أن تضلوا ولا يجيز البصريون إضمار لا إلا في القسم على ما تبين فيه، وقد حمله بعضهم على أن اللام لام كي حقيقة فقال: المعنى تصريف هذه الدلائل حالا بعد حال ليقول بعضهم دارست فيزدادوا كفرا على كفر وتنبيه لبعضهم فيزدادوا إيمانا على إيمان ولنظيره * (يضل به كثيرا * ويهدى * به كثيرا) * * (وأما الذين فى قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) * ولا يتعين ما ذكره المعربون والمفسرون من أن اللام في * (وليقولوا) * لام كي أو لام الصيرورة بل الظاهر أنها لام الأمر، والفعل مجزوم بها لا منصوب بإضمار أن ويؤيده قراءة من سكن اللام والمعنى عليه متمكن كأنه قيل: ومثل ذلك نصرف الآيات وليقولوا هم ما يقولون من كونك درستها وتعلمتها أو درست هي أي بليت وقدمت فإنه لا يحفل بهم ولا يلتفت إلى قولهم، وهو أمر معناه الوعيد بالتهديد وعدم الاكتراث بهم وبما يقولون في الآيات أي نصرفها ليدعوا فيها ما شاؤوا فلا اكتراث بدعواهم.
* (ولنبينه لقوم يعلمون) * أي نصرف الآيات وأعاد الضمير مفردا قالوا على معنى الآيات لأنها القرآن كأنه قال: وكذلك نصرف القرآن أو على القرآن ودل عليه الآيات أو درست أو على المصدر المفهوم من * (ولنبينه) * أي ولنبين التبيين كما تقول: ضربته زيدا إذا أردت ضربت الضرب زيدا أو على المصدر المفهوم من نصرف، قال ابن عباس: * (لقوم) * يريد أولياء الذين هداهم إلى سبيل الرشاد.
* (اتبع ما أوحى إليك من ربك لا إلاه إلا هو وأعرض عن المشركين) * أمره تعالى بأن يتبع ما أوحي إليه وبأن يعرض عن من أشرك والأمر بالإعراض عنهم كان قبل نسخه بالقتال والسوق إلى الدين طوعا أو كرها، والجملة بين الأمرين اعتراض أكد به وجوب اتباع الموحى أو في موضع الحال المؤكدة.
* (ولو شاء الله ما أشركوا) * أي إن إشراكهم ليس في الحقيقة بمشيئتهم وإنما هو بمشيئة الله تعالى، وظاهر الآية يرد على المعتزلة ويتأولونها على مشيئة القسر والإلجاء.
* (وما جعلناك عليهم حفيظا) * أي رقيبا تحفظهم من الإشراك.
* (وما أنت عليهم بوكيل) * أي بمسلط عليهم والجملتان متقاربتان في المعنى إلا أن الأولى فيها نفي جعل الحفظ منه تعالى له عليهم. والثانية فيها نفي الوكالة عليهم والمعنى إنا لم نسلطك ولا أنت في ذاتك بمسلط فناسب أن تعرض عنهم إذ لست مأمورا منا بأن تكون حفيظا عليهم ولا أنت وكيل عليهم من تلقائك.
* (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) * قال ابن عباس: سببها أن كفار قريش قالوا لأبي طالب: إما أن ينتهي محمد وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها وإما أن نسب إلهه ونهجوه فنزلت، وقيل: قالوا ذلك عند نزول قوله: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) * وقيل: كان المسلمون يسبون آلهتهم فنهوا لئلا يكون سبهم سببا لسب الله تعالى، وحكم هذه الآية باق في هذه الأمة فإذا كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو الرسول أو الله فلا يحل لمسلم ذم دين الكافر ولا صنمه ولا
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»