تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢١١
ب يوحي ونصب غرور الاجتماع شروط النصب فيه، وعدى يوحى إلى هذا باللام لفوت شرط صريح المصدرية واختلاف الفاعل لأن فاعل يوحي هو بعضهم وفاعل تصغى هو أفئدة، وترتيب هذه المفاعيل في غاية الفصاحة لأنه أولا يكون الخداع فيكون الميل فيكون الرضا فيكون الفعل فكأن كل واحد مسبب عما قبله.
وقال الزمخشري: * (* ولتصغي) * جوابه محذوف تقديره، وليكون ذلك جعلنا لكل نبي عدوا على أن اللام لام الصيرورة، والضمير في * (ءاوى إليه) * راجع إلى ما يرجع إليه الضمير في فعلوه أي ولتميل إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين أفئدة الكفار انتهى. وتسمية ما تتعلق به اللام جوابا اصطلاح غريب، وما قاله هو قول الزجاج، قال: تقديره * (ءاوى إليه) * فعلوا ذلك فهي لام صيرورة. وذهب الأخفش إلى أن لام * (* ولتصغي) * هي لام كي وهي جواب لقسم محذوف تقديره. والله * (يفترون ولتصغى) * موضع ولتصغين فصار جواب القسم من قبيل المفرد فتقول والله ليقوم زيد التقدير أقسم بالله لقيام زيد واستدل على ذلك بقول الشاعر:
* إذا قلت قدني قال الله حلفة * لتغني عني ذا أنائك أجمعا * وبقوله: * (ولتصغى) * والرد عليه مذكور في كتب النحو.
وقرأ النخعي والجراح بن عبد الله * (* ولنصغى) * من أصغى رباعيا.
وقرأ الحسن بسكون اللام في الثلاثة.
وقيل عنه في ليرضوه وليقترفوا بالكسر في * (يفترون ولتصغى) *.
وقال أبو عمرو الداني قراءة الحسن، إنما هي * (ولتصغى) * بكسر الغين انتهى، وخمرج سكون اللام في الثلاثة على أنه شذوذ في لام كي وهي لام كي في الثلاثة. وهي معطوفة على غرور أو سكون لام كي في نحو هذا شاذ في السماع قوي في القياس قاله أبو الفتح.
وقال غيره: هي لام الأمر في الثلاثة ويبعد ذلك في * (* ولتصغي) * بإثبات الياء وإن كان قد جاء ذلك في قليل من الكلام.
قرأ قنبل أنه من يتقي ويصبر على أنه يحتمل التأويل.
وقيل هي في * (يفترون ولتصغى) * لام كي سكنت شذوذا، وفي * (وليرضوه وليقترفوا) * لام الأمر مضمنا التهديد والوعيد، كقوله: * (اعملوا ما شئتم) * وفي قوله: * (ما هم مقترفون) * أنها تفيد التعظيم والتشبيع لما يعملون، كقوله تعالى: * (فغشيهم من اليم ما غشيهم) *.
* (أفغير الله أبتغى حكما وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا) * قال مشركو قريش للرسول: اجعل بيننا وبينك حكما من أحبار اليهود، وإن شئت من أساقفة النصارى، ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك فنزلت. ووجه نظمها بما قبلها أنه لما حكى حلف الكفار وأجاب بأنه لا فائدة في إظهار الآيات المقترحة لهم أنهم لا يبقون مصرين على الكفر بين الدليل على نبوته بإنزال القرآن عليه، وقد عجز الخلق عن معارضته وحكم فيه بنبوته، وباشتمال التوراة والإنجيل على أنه رسول حق، وأن القرآن كتاب من عند الله حق. ووجه آخر وهو أنه لما ذكر العداوة وتهددهم قالوا ما ذكرناه في سبب النزول. وكان من عادتهم إذا التبس عليهم أمر واختلفوا فيه جعلوا بينهم كاهنا حكما فأمره الله أن يقول: * (أفغير الله أبتغى حكما) * وهذا استفهام معناه النفي أي لا أبتغي حكما غير الله. قال الكرماني: والحكم أبلغ من الحاكم لأنه من عرف منه الحكم مرة بعد أخرى، والحاكم اسم فاعل يصدق على المرة الواحدة. وقال إسماعيل: الضرير الفرق بينهما أن الحكم لا يحكم إلا بالحق والحاكم يحكم بالحق وبغير الحق. وقال ابن عطية نحوه. قال الحكم: أبلغ من الحاكم إذ هي صيغة للعدل من الحكام، والحاكم جار على الفعل وقد يقال للجائر؛ انتهى. وكأنه إشارة إلى حكم الله عليهم بأنهم لا يؤمنون ولو بعث إليهم كل الآيات، أو حكمه بأن جعل للأنبياء أعداء وحكما أي فاصلا بين الحق والباطل، وجوزوا في إعراب غير أن
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»