الأشجار المثمرة، ومن تحت أرجلهم الزرع المغلة. وقيل: من فوقهم الجنان اليانعة الثمار يجتنون ما تهدل منها من رؤوس الشجر، ويلتقطون ما تساقط منها على الأرض، وتحت أرجلهم. وقال تاج القراء: من فوقهم ما يأتيهم من كبرائهم وملوكهم، ومن تحت أرجلهم ما يأتيهم من سفلتهم وعوامهم، وعبر بالأكل عن الأخذ، لأنه أجل منافعه وأبلغ ما يحتاج إليه في ديمومة الحياة.
* (منهم أمة مقتصدة) * الضمير في منهم يعود على أهل الكتاب. والأمة هنا يراد بها الجماعة القليلة للمقابلة لها بقوله: وكثير منهم. والاقتصاد من القصد وهو الاعتدال، وهو افتعل بمعنى اعتمل واكتسب أي: كانت أولا جائزة ثم اقتصدت. قيل: هم مؤمنو الفريقين عبد الله بن سلام وأصحابه، وثمانية وأربعون من النصارى. واقتصادهم هو الإيمان بالله تعالى. وقال مجاهد: المقتصدة مسلمة أهل الكتاب قديما وحديثا، ونحوه قول ابن زيد: هم أهل طاعة الله من أهل الكتاب. وذكر الزجاج وغيره: أنها الطوائف التي لم تناصب الأنبياء مناصبة المتمردين المجاهدين. وقال الزمخشري: مقتصدة حالها أمم في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم). وقال الطبري: من بني إسرائيل من يقتصد في عيسى فيقول: هو عبد الله ورسوله وروح منه، والأكثر منهم غلافية فقال بعضهم: هو الإله، وعلى هذا مشى الروم ومن دخل بآخره في ملة عيسى. وقال بعضهم وهو الأكثر من بني إسرائيل: هو آدمي كغيره لغير رشده، فتلخص في الاقتصاد أهو في حق عيسى؟ أو في المناصبة؟ أو في الإيمان؟ فإن كان في المناصبة فهل هو بالنسبة إلى الرسول وحده أم بالنسبة إلى الأنبياء؟ قولان. وإن كان في الإيمان فهل هو في إيمان من آمن بالرسول من الفريقين أو من آمن قديما وحديثا؟ قولان.
* (وكثير منهم ساء ما يعملون) * هذا تنويع في التفصيل. فالجملة الأولى جاءت منهم أمة مقتصدة، جاء الخبر الجار والمجرور، والخبر الجملة من قوله: ساء ما يعملون، وبين التركيبين تفاوت غريب من حيث المعنى. وذلك أن الاقتصاد جعل وصفا، والوصف ألزم للموصوف من الخبر، فأتى بالوصف اللازم في الطائفة الممدوحة، وأخبر عنها بقوله: منهم، والخبر ليس من شأنه اللزوم ولا سيما هنا، فأخبر عنهم بأنهم من أهل الكتاب في الأصل، ثم قد تزول هذه النسبة بالإسلام فيكون التعبير عنهم والإخبار بأنهم منهم، باعتبار الحالة الماضية. وأما في الجملة الثانية فإنهم منهم حقيقة لأنهم كفار، فجاء الوصف بالإلزام، ولم يجعل خبرا، وجعل خبر الجملة التي هي ساء ما يعملون، لأن الخبر ليس من شأنه اللزوم، فهم بصدد أن يسلم ناس منهم فيزول عنهم الإخبار بمضمون هذه الجملة، واختار الزمخشري في ساء أن تكون التي لا تنصرف، فإن فيه التعجب كأنه قيل: ما أسوأ عملهم ولم يذكر غير هذا الوجه. واختار ابن عطية أن تكون المتصرفة تقول: ساء الأمر يسوء، وأجاز أن تكون غير المتصرفة فتستعمل استعمال نعم وبئس كقوله: ساء مثلا. فالمتصرفة تحتاج إلى تقدير مفعول أي ساء ما كانوا يعملون بالمؤمنين، وغير المتصرفة تحتاج إلى تمييز أي: ساء عملا ما كانوا يعملون.
* (يعملون ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * هذا نداء بالصفة الشريفة التي هي أشرف أوصاف الجنس الإنساني، وأمر بتليغ ما أنزل إليه وهو صلى الله عليه وسلم) قد بلغ ما أنزل إليه، فهو أمر بالديمومة. قال الزمخشري: جميع ما أنزل إليك، وأي شيء أنزل غير مراقب في تبليغه أحدا ولا خائف أن ينالك مكروه. وقال ابن عطية: أمر من الله لرسوله بالتبليغ على الاستيفاء والكمال، لأنه قد قال: بلغ، فإنما أمر في هذه الآية أن لا يتوقف على شيء مخافة أحد، وذلك أن رسالته عليه السلام تضمنت الطعن على أنواع الكفرة وفساد أحوالهم، فكان يلقى منهم عنتا، وربما خافهم أحيانا قبل نزول هذه الآية. وعن ابن عباس عنه عليه السلام: (لما بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعا وعرفت أن من الناس من يكذبني فأنزل الله هذه الآية). وقيل: هو أمر بتبليغ خاص أي: ما أنزل إليك من الرجم والقصاص الذي غيره اليهود في