* (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) * علق بكثير، لأن منهم من آمن ومن لا يزداد إلا طغيانا، وهذا إعلام للرسول بفرط عتوهم إذ كانوا ينبغي لهم أن يبادروا بالإيمان بسبب ما أخبرهم به الله تعالى على لسان رسوله من الأسرار التي يكتمونها ولا يعرفها غيرهم، لكن رتبوا على ذلك غير مقتضاه، وزادهم ذلك طغيانا وكفروا، وذلك لفرط عنادهم وحسدهم. وقال الزجاج: كلما نزل عليك شيء كفروا به. وقال مقاتل: وليزيدن بني النضير ما أنزل إليك من ربك من أمر الرجم والدماء. وقيل: المراد بالكثير علماء اليهود. وقيل: إقامتهم على الكفر زيادة منهم في الكفر.
* (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) * قيل: الضمير في بينهم عائد على اليهود والنصارى، لأنه جرى ذكرهم في قوله: * (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) * ولشمول قوله: * (من أهل الكتاب) * للفريقين وهذا قول: الحسن، ومجاهد. وقيل: هو عائد على اليهود، إذ هم جبرية وقدرية وموحدة ومشبهة، وكذلك فرق النصارى كالملكانية واليعقوبية والنسطورية. والذي يظهر أن المعنى لا يزالون متباغضين متعادين، فلا يمكن اجتماع كلمتهم على قتالك، ولا يقدرون على ضررك، ولا يصلون إليك ولا إلى أتباعك، لأن الطائفتين لا تواد بينهم فيجتمعان على حربك. وفي ذلك إخبار بالمغيب، وهو أنه لم يجتمع لحرب المسلمين جيشا يهود ونصارى مذ كان الإسلام إلى هذا الوقت. وأشار إلى هذا المعنى الزمخشري بقوله: فكلهم أبدا مختلف وقلوبهم شتى، لا يقع اتفاق بينهم، ولا تعاضد انتهى. والعداوة أخص من البغضاء، لأن كل عدو مبغض، وقد يبغض من ليس بعدو. وقال ابن عطية: وكأن العداوة شيء يشهد يكون عنه عمل وحرب، والبغضاء لا تتجاوز النفوس انتهى كلامه.
* (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) * قال قوم: هو على حقيقته وليس استعارة، وهو أن العرب كانت تتواعد للقتال، وعلامتهم إيقاد نار على جبل أو ربوة، فيتبادرون والجيش يسري ليلا فيوقد من مر بهم ليلا النار فيكون إنذارا، وهذه عادة لنا مع الروم على جزيرة الأندلس، يكون قريبا من ديارهم رئية للمسلمين مستخف في جبل في غار، فإذا خرج الكفار لحرب المسلمين أوقد نار، فإذا رآها رئية آخر قد أعد للمسلمين في قريب من ذلك الجبل أوقد نارا، وهكذا إلى أن يصل الخبر للمسلمين في أقرب زمان، ويعرف ذلك من أي جهة نهر من الكفار، فيعد المسلمون للقائهم. وقيل: إذا تراءى الجمعان وتنازل العسكران أوقدوا بالليل نارا مخافة البيات، فهذا أصل نار الحرب. وقيل: كانوا إذا تحالفوا على الجد في حربهم أوقدوا نارا وتحالفوا، فعلى كون النار حقيقة يكون معنى إطفائها أنه ألقى الله الرعب في قلوبهم فخافوا أن يغشوا في منازلهم فيضعون، فلما تقاعدوا عنهم أطفؤها، وأضاف تعالى الإطفاء إليه إضافة المسبب إلى سببه الأصلي.
وقال الجمهور: هو استعارة، وإيقاد النار عبارة عن إظهار الحقد والكيد والمكر بالمؤمنين والاغتيال والقتال، وإطفاؤها صرف الله عنهم ذلك، وتفرق آرائهم، وحل عزائمهم، وتفرق كلمتهم، وإلقاء الرعب في قلوبهم. فهم لا يريدون محاربة أحد إلا غلبوا وقهروا، ولم يقم لهم نصر من الله تعالى على أحد، وقد أتاهم الإسلام وهم في ملك المجوس. وقيل: خالفوا اليهود فبعث الله عليهم بختنصر، ثم أفسدوا فسلط الله عليهم بطريق الرومي، ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المجوس، ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المسلمين. وقال قوم: هذا مثل ضرب لاجتهادهم في المحاربة، والتهاب شواظ قلوبهم، وغليان صدورهم. ومنه الآن حمى الوطيس للجد في الحرب، وفلان مسعر حرب يهيجها ببسالته، وضرب الإطفاء مثلا لإرغام أنوفهم وخذلانهم في كل موطن. قال مجاهد: هي تبشير للرسول بأنهم كلما حاربوه نصر عليهم، وإشارة إلى حاضريه من اليهود. وقال السدي والربيع وغيرهما: هي إخبار عن أسلافهم منذ عصور هد الله ملكهم، فلا ترفع لهم راية إلى يوم القيامة، ولا يقاتلون جميعا إلا في قرى محصنة. وقال قتادة: لا تلقى اليهود ببلدة إلا وجدتهم من أذل الناس.
* (ويسعون فى الارض فسادا) * يحتمل أن يريد بالسعي نقل