الإقدام أي: لا يكتفون في إظهار الفساد إلا بنقل أقدامهم بعضهم لبعض، فيكون أبلغ في الاجتهاد، والظاهر أنه يراد به العمل. والفعل أي: يجتهدون، في كيد أهل الإسلام ومحوذ ذكر الرسول من كتبهم. والأرض يجوز أن يراد بها الجنس، أو أرض الحجاز، فتكون أل فيه للعهد. قال ابن عباس ومقاتل: فسادهم بالمعاصي. وقال الزجاج: بدفع الإسلام ومحو ذكر الرسول من كتبهم. وقيل: بسفك الدماء واستحلال المحارم. وقيل: بالكفر. وقيل: بالظلم، وكل هذه الأقوال متقاربة.
* (والله لا يحب المفسدين) * ظاهر المفسدين العموم، فيندرج هؤلاء فيهم. وقيل: أل للعهد، وهم هؤلاء. وانتفاء المحبة كناية عن كونه لا يعود عليهم بفضله وإحسانه، فهؤلاء يثيبهم. وإذا لم يثبهم فهو معاقبهم، إذ لا واسطة بين العقاب والثواب.
* (ولو أن أهل الكتاب ءامنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولادخلناهم جنات النعيم) *. قيل: المراد أسلافهم، ودخل فيها المعاصرون بالمعنى. والغرض الإخبار عن أولئك الذين أطفأ الله نيرانهم وأذلهم بمعاصيهم، والذي يظهر أنهم معاصرو الرسول صلى الله عليه وسلم)، وفي ذلك ترغيب لهم في الدخول في الإسلام. وذكر شيئين وهما: الإيمان، والتقوى. ورتب عليهم شيئين: قابل الإيمان بتكفير السيئات إذ الإسلام يجب ما قبله، وترتب على التقوى وهي امتثال الأوامر واجتناب المناهي دخول جنة النعيم، وإضافة الجنة إلى النعيم تنبيها على ما كانوا يستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا. وقيل: واتقوا أي: الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم)، وبعيسى عليه السلام. وقيل: المعاصي التي لعنوا بسببها. وقيل: الشرك. قال الزمخشري: ولو أنهم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم) وبما جاء به، وقرنوا إيمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالإيمان، لكفرنا عنهم تلك السيئات، فلم نؤاخذهم بها، ولأدخلناهم مع المسلمين الجنة. وفيه إعلام بعظم معاصي اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم، ودلالة على سعة رحمة الله تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى، وأن الإيمان لا ينجى ولا يسعد إلا مشفوعا بالتقوى كما قال الحسن: هذا العمود فأين الأطناب؟ انتهى كلامه. وفيه من الاعتزال. وقرنوا إيمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالإيمان، وقوله: وأن الإيمان لا ينجى ولا يسعد إلا مشفوعا بالتقوى.
* (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) * هذا استدعاء لإيمانهم، وتنبيه لهم على اتباع ما في كتبهم، وترغيب لهم في عاجل الدنيا وبسط الرزق عليهم فيها، إذ أكثر ما في التوراة من الموعود به على الطاعات هو الإحسان إليهم في الدنيا. ولما رغبهم في الآية قبل في موعود الآخرة من تكفير السيئات وإدخالهم الجنة، رغبهم في هذه الآية في موعود الدنيا ليجمع لهم بين خيري الدنيا والآخرة، وكان تقديم موعود الآخرة أهم لأنه هو الدائم الباقي، والذي به النجاة السرمدية، والنعيم الذي لا ينقضي. ومعنى إقامة التوراة والإنجيل: هو إظهار ما انطوت عليه من الأحكام والتبشير بالرسول والأمر باتباعه كقولهم: أقاموا السوق أي حركوها وأظهروها، وذلك تشبيه بالقائم من الناس إذ هي أظهر هيآته. وفي قوله: والإنجيل دليل على دخول النصارى في لفظ أهل الكتاب. وظاهر قوله: وما أنزل إليهم من ربهم، العموم في الكتب الإلهية مثل: كتاب أشعياء، وكتاب حزقيل، وكتاب دانيال، فإنها مملوءة من البشارة بمبعث الرسول. وقيل: ما أنزل إليهم من ربهم هو القرآن. وظاهر قوله: لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، أنه استعارة عن سبوغ النعم عليهم، وتوسعة الرزق عليهم، كما يقال: قد عمه الرزق من فرقه إلى قدمه ولا فوق ولا تحت حكاه الطبري والزجاج. وقال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي: لأعطتهم السماء مطرها وبركتها، والأرض نباتها كما قال تعالى: * (لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض) * وذكر النقاش من فوقهم من رزق الجنة، ومن تحت أرجلهم من روق الدنيا إذ هو من نبات الأرض. وقيل: من فوقهم كثرة