تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٥٥
أنه مصدر متحد الفاعل والزمان. ولتطمئن معطوف على موضع بشرى، إذ أصله لبشرى. ولما اختلف الفاعل في ولتطمئن، أتى باللام إذ فات شرط اتحاد الفاعل، لأن فاعل بشرى هو الله، وفاعل تطمئن هو قلوبكم. وتطمئن منصوب بإضمار أن بعد لام كي، فهو من عطف الاسم على توهم. موضع اسم آخر، وجعل على هذا التقدير متعدية إلى واحد.
وقال الحوفي: إلا بشرى في موضع نصب على البدل من الهاء، وهي عائدة على الوعد بالمدد. وقيل: بشرى مفعول ثان لجعله الله. فعلي هذين القولين تتعلق اللام في لتطمئن بمحذوف، إذ ليس قبله عطف يعطف عليها. قالوا: تقديره ولتطمئن قلوبكم به بشركم. وبشرى: فعلى مصدر كرجعى، وهو مصدر من بشر الثلاثي المجرد، والهاء في به تعود على ما عادت عليه في جعله على الخلاف المتقدم.
وقال ابن عطية: اللام في ولتطمئن متعلقة بفعل مضمر يدل عليه جعله. ومعنى الآية: وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به، وتطمئن به قلوبكم انتهى. وكأنه رأى أنه لا يمكن عنده أن يعطف ولتطمئن على بشرى على الموضع، لأن من شرط العطف على الموضع عند أصحابنا أن يكون ثم محزر للموضع، ولا محرز هنا، لأن عامل الجر مفقود. ومن لم يشترط المحرز فيجوز ذلك على مذهبه، وإن لا فيكون من باب العطف على التوهم كما ذكرناه أولا.
وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي: قال بعضهم: الواو زائدة في ولتطمئن. وقال أيضا في ذكر الإمداد: مطلوبان، أحدهما: إدخال السرور في قلوبهم، وهو المراد بقوله: ألا بشرى. والثاني: حصول الطمأنينة بالنصر، فلا تجبنوا، وهذا هو المقصود الأصلي. ففرق بين هاتين العبارتين تنبيها على حصول التفاوت بين الأمرين، فعطف الفعل على الاسم. ولما كان الأقوى حصول الطمأنينة أدخل حرف التعليل انتهى. وفيه بعض ترتيب وتناقش في قوله: فعطف الفعل على الاسم، إذ ليس من عطف الفعل على الاسم. وفي قوله: أدخل حرف التعليل، وليس ذلك لما ذكر.
* (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) * حصر كينونة النصر في جهته، لا أن ذلك يكون من تكثير المقاتلة، ولا من إمداد الملائكة. وذكر الإمداد بالملائكة تقوية لرجاء النصر لهم، وتثبيتا لقلوبهم. وذكر وصف العزة وهو الوصف الدال على الغلبة، ووصف الحكمة وهو الوصف الدال على وضع الأشياء مواضعها من: نصر وخذلان وغير ذلك.
* (ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين) * الطرف: من قتل ببدر هم سبعون من رؤساء قريش، أو من قتل بأحد وهم اثنان وعشرون رجلا على الصحيح. وقال السدي: ثمانية عشر، أو مجموع المقتولين في الوقعتين ثلاثة أقوال. وكنى عن الجماعة بقوله: طرفا، لأن من قتله المسلمون في حرب هم طرف من الكفار، إذ هم الذين يلون القاتلين، فهم حاشية منهم. فكان جميع الكفار رفقة، وهؤلاء المقتولون طرفا منها. قيل: ويحتمل أن يراد بقوله: طرفا دابرا أي آخرا، وهو راجع لمعنى الطرف، لأن آخر الشيء طرف منه * (أو يكبتهم) *: أي ليخزيهم ويغيظهم، فيرجعوا غير ظافرين بشيء مما أملوه. ومتى وقع النصر على الكفار، فإما بقتل، وإما بخيبة، وإما بهما. وهو كقوله: * (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا) *. وقرأ الجمهور أو تكبتهم بالتاء. وقرأ لاحق بن حميد: أو يكبدهم بالدال مكان التاء، والمعنى: يصيب الحزن كبدهم. وللمفسرين في يكبتهم أقوال: يهزمهم قاله: ابن عباس والزجاج، أو يخزيهم قاله: قتادة ومقاتل، أو يصرعهم قاله. أبو عبيدة واليزيدي، أو يهلكهم قاله: أبو عبيدة. أو يلعنهم قاله: السدي. أو يظفر عليهم قاله: المبرد. أو يغيظهم قاله: النضر بن شميل، واختاره ابن قتيبة. وأما قراءة لاحق فهي من إبدال الدال بالتاء كما قالوا. هوت الثوب وهرده إذا حرفه، وسبت رأسه وسبده إذا حلقه، فكذلك كبت العدو وكبده أي أصاب كبده.
واللام في ليقطع يتعلق قيل: بمحذوف تقيديره أمدكم أو نصركم. وقال الحوفي: يتعلق
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»