تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٥٠
الأجناد طاعتهم قاله: الماتريدي. وهو ظاهر.
* (والله سميع عليم) * أي سميع وقوالكم، عليم بنياتكم. وجاءت هاتان الصفتان هنا لأن في ابتداء هذه الغزوة مشاورة ومجاوبة بأقوال مختلفة، وانطواء على نيات مضطربة حبسما تضمنته قصة غزوة أحد.
* (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) * الطائفتان: بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وهما الجناحان قاله: ابن عباس، وجابر، والحسن، وقتادة، ومجاهد، والربيع، والسدي، وجمهور المفسرين. وقيل: الطائفتان هما من الأنصار والمهاجرين.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) خرج في ألف. وقيل: في تسعمائة وخمسين، والمشركون في ثلاثة آلاف. ووعدهم الفتح إن صبروا، فانخذل عبد الله بن أبي بثلث الناس. وسبب انخذاله أنه أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالمدينة حين شاوره رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولم يشاوره قبلها، فأشار عليه بالمقام في المدينة فلم يفعل وخرج، فغضب عبد الله وقال: أطاعهم، وعصاني. وقال: يا قوم علام نقتل أنفسنا وأولادنا، فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري. وفي رواية أبو جابر السلمي فقال: أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم. فقال عبد الله: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، فهم الجبان باتباع عبد الله، فعصمهم الله ومضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال ابن عباس: أضمروا أن يرجعوا، فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا، وهذا لهم غير مؤاخذ به، إذ ليس بعزيمة، إنما هو ترجيح من غير عزم. ولا شك أن النفس عندما تلاقى الحروب ومن يجالدها يزيد عليها مثلين وأكثر، يلحقها بعض الضعف عن الملاقاة، ثم يوطئها صاحبها على القتال فتثبت وتستقر. ألا ترى إلى قول الشاعر:
* وقولي: كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي * وإذ همت: بدل من إذ غدوت. قال الزمخشري: أو عمل فيه معنى سميع عليم انتهى. وهذا غير محرر، لأن العامل لا يكون مركبا من وصفين، فتحريره أن يقول: أو عمل فيه معنى سميع أو عليم، وتكون المسألة من باب التنازع. وجوز أن يكون معمولا لتبوى، ولغدوت. وهم يتعدى بالباء، فالتقدير: بأن تفشلا والمعنى: أن تفشلا عن القتال. وأما أحسن قول الشاعر في التحريض على القتال والنهي عن الفشل:
* قاتلوا القوم بالخداع ولا * يأخذكم عن قتالهم فشل * * القوم أمثالكم لهم شعر * في الرأس لا ينشرون إن قتلوا * وأدغم السبعة تاء التأنيث في الطاء، وعن قالون خلاف ذكرناه في عقد اللآلىء في القراءات السبع العوالي من إنشائنا. والظاهر أن هذا لهم كان عند تبوئة الرسول صلى الله عليه وسلم) مقاعد للقتال وانخذال عبد الله بمن انخذل. وقيل: حين أشاروا عليه بالخروج وخالفوا عبد الله بن أبي. وفي قوله: طائفتان إشارة لطيفة إلى الكناية عن من يقع منه ما لا يناسب والستر عليه، إذ لم يعين الطائفتين بأنفسهما، ولا صح بمن هما منه من القبائل سترا عليهما.
* (والله وليهما) * معنى الولاية هنا التثبيت والنصر، فلا ينبغي لهما أن يفشلا. وقيل: جعلها من أوليائه المثابرين على طاعته. وفي البخاري عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: فينا نزلت * (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) * قال: نحن الطائفتان بنو
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»