المهد. قال ابن عطية: وإلا فلولا الآية لكانوا في قولهم جارين على حكم البشر في إنكار حمل من غير ذكر انتهى. ووصف بالعظم لأنهم تمادوا عليه بعد ظهور الآية وقيام المعجزة بالبراءة، وقد جاءت تسمية الرمي بذلك بهتانا عظيما في قوله: * (سبحانك هاذا بهتان عظيم) *.
* (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) * الظاهر أن رسول الله من قولهم قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء، كقول فرعون أن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وقوله: * (إنك لانت الحليم الرشيد) * ويجوز أن يكون من كلام الله تعالى وضع الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنه رفعا لعيسى عليه السلام، كما كانوا يذكرونه به. ذكر الوجهين الزمخشري، ولم يذكر ابن عطية سوى الثاني قال: هو إخبار من الله تعالى بصفة عيسى عليه السلام، وهي الرسالة على جهة إظهار ذنب هؤلاء المقرين بالقتل ولزمهم الذنب، وهم لم يقتلوا عيسى، لأنهم صلبوا ذلك الشخص على أنه عيسى، وعلى أن عيسى كذاب ليس برسول. ولكن لزمهم الذنب من حيث اعتقدوا أن قتلهم وقع في عيسى، فكأنهم قتلوه، وليس يدفع الذنب عنهم اعتقادهم أنه غير رسول.
* (وما قتلوه وما صلبوه ولاكن شبه لهم) * هذا إخبار منه تعالى بأنهم ما قتلوا عيسى وما صلبوه.
واختلف الرواة في كيفية القتل والصلب، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في ذلك شيء غير ما دل عليه القرآن.
ومنتهى ما آل إليه أمر عيسى عليه السلام أنه طلبته اليهود فاختفى هو والحواريون في بيت، فدلوا عليه وحضروا ليلا وهم ثلاثة عشر، أو ثمانية عشر، ففرقهم تلك الليلة ووجههم إلى الآفاق، وبقي هو ورجل معه، فرفع عيسى، وألقى شبهه على الرجل فصلب. وقيل: هو اليهودي الذي دل عليه. وقيل: قال لأصحابه: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل ويخلص هؤلاء، وهو رفيقي في الجنة؟ فقال سرجس: أنا، فألقي عليه شبه عيسى. وقيل: ألقي شبهه على الجميع، فلما أخرجوا نقص واحد من العدة، فأخذوا واحدا ممن عليه الشبه فصلب. وروي أن الملك والمتناولين لم يخف عليهم أمر عيسى لما رأوه من نقصان العدة واختلاط الأمر، فصلب ذلك الشخص، وأبعد الناس عن خشبته أياما حتى تغير، ولم تثبت له صفة، وحينئذ دنا الناس منه، ومضى الحواريون يتحدثون في الآفاق أن عيسى صلب. وقيل: لم يلق شبهه على أحد، وإنما معنى: ولكن شبه لهم، أي شبه عليهم الملك المخرق ليستديم بما نقص واحد من العدة، وكان بادر بصلب واحد وأبعد الناس عنه، وقال: هذا عيسى، وهذا القول هو الذي ينبغي أن يعتقد في قوله: ولكن شبه لهم. أما أن يلقى شبهه على شخص، فلم يصح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيعتمد عليه.
وقد اختلف فيمن ألقي عليه الشبه اختلافا كثيرا. فقيل: اليهودي الذي دل عليه. وقيل: خليفة قيصر الذي كان محبوسا عنده. وقيل: واحد من اليهود. وقيل: دخل ليقتله. وقيل: رقيب وكلته به اليهود. وقيل: ألقى الشبه على كل الحواريين. وقيل: ألقى الشبه على الوجه دون البدن، وهذا الوثوق مما يدفع الوثوق بشيء من ذلك. ولهذا قال بعضهم: إن جاز أن يقال: إن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر، فهذا يفتح باب السفسطة. وقيل: سبب