تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٩٧
التنفيس من السين، ولم يعد الضمير عليهم فيقال: وسوف يؤتيهم، بل أخلص ذلك الأجر للمؤمنين وهم رفقاؤهم، فيشاركونهم فيه ويساهمونهم. وكتب يؤت في المصحف بغير ياء، لما حذفت في اللفظ لالتقاء الساكنين حذفت في الخط، ولهذا نظائر في القرآن. ووقف يعقوب عليها بالياء، ووقف السبعة بغير ياء اتباعا لرسم المصحف. وقد روى الوقف بالياء عن: حمزة، والكسائي، ونافع. وقال أبو عمرو: ينبغي أن لا يوقف عليها لأنه إن وقف بغير ياء خالف النحويين، وإن وقف بياء خالف لفظ المصحف. والأجر العظيم هو الخلود في الجنة.
* (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم) * الخطاب قيل: للمؤمنين. وقيل: ك للكافرين، وهو الذي يقتضيه سياق الكلام. وهذا استفهام معناه النفي أي: ما يعذبكم إن شكرتم وآمنتم. والمعنى: أنه لا منفعة له في ذلك ولا حاجة، لأن العذاب إنما يكون لشيء يعود نفعه أو يندفع ضره عن المعذب، والله تعالى منزه عن ذلك، وإنما عقابه المسئ لأمر قضت به حكمته تعالى، فمن شكره وآمن به لا يعذبه.
وما استفهام كما ذكرنا في موضع نصب بفعل، التقدير: أي شيء يفعل الله بعذابكم. والباء للسبب، استشفاء أم إدراك نار، أم جلب منفعة، أم دفع مضرة، فهو تعالى منزه عن ذلك. وأجاز أبو البقاء أن تكون ما نافية، قال: والمعنى: ما يعذبكم. ويلزم على قوله أن تكون الباء زائدة، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي: إن شكرتم وآمنتم فما يفعل بعذابكم.
ذكر عن ابن عباس أن المراد بالشكر هنا توحيد الله. وقال الزمخشري: (فإن قلت): لم قدم الشكر على الإيمان؟ (قلت): لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكرا مبهما، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المؤمن به المنعم آمن به، ثم شكر شكرا مفصلا، فكان الشكر متقدما على الإيمان، وكان أصل التكليف ومداره. وقال ابن عطية: الشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترنا بالإيمان، لكنه ذكر الإيمان تأكيدا وتنبيها على جلالة موقعه انتهى. وأبعد من ذهب إلى أنه على التقديم والتأخير أي: إن آمنتم وشكرتم.
* (وكان الله شاكرا عليما) * شاكرا أي: مثيبا موفيا أجوركم. وأتى بصفة الشكر باسم الفاعل بلا مبالغة ليدل على أنه يتقبل ولو أقل شيء من العمل، وينميه عليما بشكركم وإيمانكم فيجازيكم. وفي قوله: عليما، تحذير وندب إلى الإخلاص لله تعالى. وقيل: الشكر من الله إدامة النعم على الشاكر.
* (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * قال مجاهد: تضيف رجل قوما فأساؤا قراه، فاشتكاهم، فعوتب، فنزلت. وقال مقاتل: نال رجل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه والرسول عليه السلام، حاضر، فسكت عنه أبو بكر مرارا ثم رد عليه، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم) فقال أبو بكر: يا رسول الله شتمني فلم تقل شيئا، حتى إذا رددت عليه قمت، فقال: (إن ملكا كان يجيب عنك، فلما رددت عليه ذهب وجاء الشيطان) فنزلت. ومناسبة هذه الآية لما قبلها هي أنه تعالى لما
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»