تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٣٦
وثلاثون جذعة، وعشرون ابن لبون، وعشرون بنت مخاض. وروي عنهما مكان الجذاع الحقات.
والظاهر أنه لا فرق بين القتل خطأ في الحرم وفي شهر حرام، وبينه في الحل، وفي شهر غير حرام. وسئل الأوزاعي عن القتل في الشهر الحرام، أو في الحرم، هل تغلظ فيه الدية؟ فقال: بلغنا أنه إذا قتل في الشهر الحرام أو في الحرم زيد على القاتل الثلث، ويزاد في شبه العمد في أسنان الإبل.
وأما من العاقلة فقيل هم العصبات الأربعة: الأب، والجدوان علا، والابن، وابن الابن وإن سفل. وهو قول مالك. وقال أبو حنيفة وأصحابه: هم أهل ديوانه دون أقربائه، فإن لم يكن القاتل من أهل الديوان فرضت على عاقلته الأقرب فالأقرب، ويضم إليهم القبائل في النسب. وقال الشافعي فيما روي عنه المزني في مختصره: العقل على ذوي الأنساب دون أهل الديوان والحلفاء، على الأقرب فالأقرب من بني أبيه ثم جده، ثم بني جد أبيه.
وأما المدة التي تؤدي فيها الدية فقد انعقد الإجماع ووردت به الأحاديث الصحاح: أنها تتأدى في ثلاث سنين، وفي الدية والعاقلة أحكام كثيرة تعرض لها بعض المفسرين وهي مذكورة في كتب الفقه.
ومعنى مسلمة إلى أهله: أي مؤداة مدفوعة إلى أهل المقتول، أي أوليائه الذين يرثونه يقتسمونها كالميراث، لا فرق بينها وبين سائر التركة في كل شيء، يقضي منها الدين، وتنفذ الوصية. وإذا لم يكن وارث فهي لبيت المال. وقال شريك: لا يقضي من الدية دين، ولا تنفذ منها وصية. وقال ابن مسعود: يرث كل وارث منها غير القاتل، ومعنى قوله: إلا أن يصدقوا أي إلا أن يعفو وراثه عن الدية فلا دية. وجاء بلفظ التصدق تنبيها على فضيلة العفو وحضا عليه، وأنه جار مجرى الصدقة، واستحقاق الثواب الآجل به دون طلب العرض العاجل، وهذا حكم من قتل في دار الإسلام خطأ. وفي قوله: إلا أن يصدقوا، دليل على جواز البراءة من الدين بلفظ الصدقة، ودليل على أنه لا يشترط القبول في الإبراء خلافا لزفر، فإنه قال: لا يبرأ الغريم من الدين إلا أن يقبل البراءة. والظاهر أن الجماعة إذا اشتركوا في قتل رجل خطأ أنه ليس عليهم كلهم إلا كفارة واحدة، لعموم قوله: ومن قتل، وترتيب تحرير رقبة واحدة، ودية على ذلك. وبه قالت طائفة هكذا قال أبو ثور، وحكى عن الأوزاعي ذلك، وقال الحسن، وعكرمة، والنخعي، والحارث، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: على كل واحد منهم الكفارة.
وهذا الاستثناء قيل: منقطع، وقيل: إنه متصل. قال الزمخشري: (فإن قلت): بم تعلق أن يصدقوا؟ وما محله؟ (قلت): تعلق بعلية، أو بمسلمة. كأن قيل: وتجب عليه الدية أو يسلمها، إلا حين يتصدقون عليه، ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان كقولهم: اجلس ما دام زيد جالسا، ويجوز أن يكون حالا من أهله بمعنى: إلا متصدقين انتهى كلامه. وكلا التخريجين خطأ. أما جعل أن وما بعدها ظرفا فلا يجوز، نص النحويون على ذلك، وأنه مما انفردت به ما المصدرية ومنعوا أن تقول: أجيئك أن يصيح الديك، يريد وقت صياح الديك. وأما أن ينسبك منها مصدر فيكون في موضع الحال، فنصوا أيضا على أن ذلك لا يجوز. قال سيبويه في قول العرب: أنت الرجل أن تنازل أو أن تخاصم، في معنى أنت الرجل نزالا وخصومة، أن انتصاب هذا انتصاب المفعول من أجله، لأن المستقبل لا يكون حالا، فعلى هذا الذي قررناه يكون كونه
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»