تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣١٧
وقال الأزهري: التحية بمعنى الملك، وبمعنى البقاء، ثم صارت بمعنى السلامة. انتهى. ووزنها تفعلة، وليس الإدغام في هذا الوزن واجبا على مذهب المازني، بل يجوز الإظهار كما قالوا: أعيبة بالإظهار، وأعية بالإدغام في جمع عبي. وذهب الجمهور إلى أنه يجب الإدغام في تحية، والكلام على المذهبين مذكور في كتب النحو.
* (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) * قال صلى الله عليه وسلم): (من أحبني فقد أحب الله) فاعترضت اليهود فقالوا: هذا محمد يأمر بعبادة الله، وهو في هذا القول مدع للربوبية فنزلت. وفي رواية: قال المنافقون لقد قارب الشرك. وفي رواية: قالوا ما يريد هذا الرجل إلا أن يتخذ ربا كما اتخذت النصارى عيسى. وتعلق الطاعتين لأنه لا يأمر إلا بما أمر الله به، ولا ينهى إلا عن ما نهى الله عنه، فكانت طاعته في ذلك طاعة الله. ومن تولى بنفاق أو أمر فما أرسلناك هذا التفات، إذ لو جرى على الرسول لكان فما أرسله. والحافظ هنا المحاسب على الأعمال، أو الحافظ للأعمال، أو الحافظ من المعاصي، أو الحافظ عن التولي، أو المسلط من الحفاظ أقوال. وتتضمن هذه الآية الإعراض عمن تولى، والترك رفقا من الله، وهي قبل نزول القتال.
* (ويقولون طاعة) * نزلت في المنافقين باتفاق. أي: أمرتهم بشيء قالوا طاعة، أي: أمرنا طاعة، أو منا طاعة. قال الزمخشري: ويجوز النصب بمعنى أطعناك طاعة، وهذا من قول المرتسم سمعا وطاعة، وسمع وطاعة، ونحوه قول سيبويه. وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال له: كيف أصبحت؟ فيقول: حمدا لله وثناء عليه، كأنه قال: أمري وشأني حمد الله. ولو نصب حمد الله وثناء عليه كان على الفعل، والرفع يدل على ثبات الطاعة واستقرارها انتهى. ولا حاجة لذكر ما لم يقرأ به ولا لتوجيهه ولا لتنظيره بغيره، خصوصا في كتابه الذي وضعه على الاختصار لا على التطويل.
* (فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذى تقول) * أي إذا خرجوا من عندك رووا وسووا أي: طائفة منهم غير الذي تقوله لك يا محمد من إظهار الطاعة، وهم في الباطن كاذبون عاصون، فعلى هذا الضمير في تقول عائد على الطائفة، وهو قول ابن عباس. وقيل: يعود على الرسول أي: غير الذي تقوله وترسم به يا محمد، وهو الخلاف والعصيان المشتمل عليه بواطنهم. ويؤيد هذا التأويل قراءة عبد الله بيت مبيت منهم يا محمد. وقرأ يحيى بن يعمر يقول: بالياء، فيحتمل أن يكون الضمير للرسول، ويكون التفاتا إذ خرج من ضمير الخطاب في من عندك، إلى ضمير الغيبة. ويحتمل أن يعود على الطائفة، لأنها في معنى القوم أو الفريق، وخص طائفته بالتبيين لأنه لم يكونوا ليجتمعوا كلهم في دار واحدة، أو لأنه إخبار عن من علم الله أنه يبقى على كفره ونفاقه. وأدغم حمزة وأبو عمرو بيت طائفة، وأظهر الباقون.
* (والله يكتب ما يبيتون) * أي: يكتبه في صحائف أعمالهم حسبما تكتبه الحفظة ليجازوا به. وقال الزجاج: يكتبه في كتابه إليك، أي: ينزله في القرآن ويعلم به ويطلع على سرهم. وقيل: يكتب يعلم عبر بالكتابة عن العلم، لأنه من ثمراتها.
* (فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) * هذا مؤكد لقوله: * (ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) * أي لا تحدث نفسك بالانتقام منهم. وليس المعنى فاعرض عن دعوتهم إلى الإيمان وعن وعظهم. وقال الضحاك: معنى أعرض عنهم لا تخبر بأسمائهم فيجاهروك بالعداوة بعد المجاملة في القول، ثم أمره بإدامة التوكل عليه، هو ينتقم لك منهم، وهذا أيضا قبل نزول القتال.
* (أفلا يتدبرون القرءان) * قرأ الجمهور: يتدبرون بياء وتاء بعدها على الأصل. وقرأ ابن محيص: بإدغام التاء في الدال، وهذا استفهام معناه الإنكار أي: فلا يتأملون ما نزل عليك من الوحي ولا يعرضون عنه، فإنه في تدبره يظهر برهانه وسطع نوره ولا يظهر ذلك لمن أعرض عنه ولم يتأمله.
* (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * الظاهر أن المضمر في فيه عائد على القرآن، وهذا في علم البيان الاحتجاج النظري، وقوم يسمونه المذهب الكلامي
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»