ينجو من الموت أحد. والبروج هنا القصور في الأرض، قاله: مجاهد، وابن جريج، والجمهور. أو القصور من حديد، روي عن ابن عباس. أو قصور في سماء الدنيا مبنية قاله: السدي. أو الحصون والآكام والقلاع قاله: ابن عباس. أو البيوت التي تكون فوق الحصون قاله: بعضهم. أو بروح السماء التي هي منازل القمر قاله: الربيع أنس، والثوري، وحكاه ابن القاسم عن مالك. وقال: ألا ترى إلى قوله: * (والسماء ذات البروج) * وجعل فيها بروجا * (ولقد جعلنا فى السماء بروجا) * وقال زهير:
* ومن هاب أسباب المنية يلقها * ولو رام أسباب السماء بسلم * مشيدة مطولة قاله: أبو مالك، ومقاتل، وابن قتيبة، والزجاج. أو مطلية بالشيد قاله: أبو سليمان الدمشقي. أو حصينة قاله: ابن عباس، وقتادة. ومن قال: أنها بروج في السماء فلأنها بيض شبهها بالمبيض بالشيد، ولهذا قال الذي هي قصور بيض في السماء مبنية.
والجزم في يدرككم على جواب الشرط، وأينما تدل على العموم، وكأنه قيل: في أي مكان تكونون فيه أدرككم الموت. ولو هنا بمعنى إن، وجاءت لدفع توهم النجاة من الموت بتقدير: إن لو كانوا في بروج مشيدة، ولإظهار استقصاء العموم في أينما. وقرأ طلحة بن سليمان: يدرككم برفع الكافين، وخرجه أبو الفتح: على حذف فاء الجواب أي: فيدرككم الموت وهي قراءة ضعيفة. قال الزمخشري: ويجوز أن يقال: حمل على ما يقع موقع أينما تكونوا، وهو: أينما كنتم كما حمل ولا ناعب على ما يقع موقع ليسوا مصلحين، وهو ليسوا بمصلحين. فرفع كما رفع زهير يقول: لا غائب ما لي ولا حرم. وهو قول نحوي سيبويهي انتهى. ويعني: أنه جعل يدرككم ارتفع لكون أينما تكونوا في معنى أينما كنتم، بتوهم أنه نطق به. وذلك أنه متى كان فعل الشرط ماضيا في اللفظ فإنه يجوز في المضارع بعده وجهان: أحدهما: الجزم على الجواب. والثاني: الرفع. وفي توجيه الرفع خلاف، الأصح أنه ليس الجواب، بل ذلك على التقديم والتأخير، والجواب محذوف. وإذا حذف الجواب فلا بد أن يكون فعل الشرط ماضي اللفظ، فتخريج هذه القراءة على هذا يأباه كون فعل الشرط مضارعا. وحمله علي ولا ناعب ليس بجيد، لان ولا ناعب عطف على التوهم، والعطف على لتوهم لا ينقاس. وقال الزمخشري أيضا ويجوز أن يتصل بقوله: * (ولا تظلمون فتيلا) * أي: لا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها. ثم ابتدأ بقوله: يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة، والوقف على هذا الوجه أينما تكونوا انتهى كلامه. وهذا تخريج ليس بمستقيم، لا من حيث المعنى، ولا من حيث الصناعة النحوية. أما من حيث المعنى فإنه لا يناسب أن يكون متصلا بقوله: ولا تظلمون فتيلا، لأن ظاهر انتفاء الظلم إنما هو في الآخرة لقوله: * (قل متاع الدنيا قليل والاخرة خير لمن اتقى) * وأما من حيث الصناعة النحوية فإنه على ظاهر كلامه يدل على أن أينما تكونوا متعلق بقوله: ولا تظلمون، ما فسره من قوله أي: لا تنقصون شيئما مما كتب من آجالكم أينما تكونوا في ملاحم الحرب أو غيرها، وهذا لا يجوز، لأن أينما اسم شرط، فالعامل فيه إنما هو فعل الشرط بعده. ولأن اسم الشرط لا يتقدم عليه عامله، فلا يمكن أن يعمل فيه، ولا تظلمون. بل إذا جاء نحو: اضرب زيدا متى جاء، لا يجوز أن يكون الناصب لمتى اضرب. فإن قال: يقدر له جواب محذوف يدل عليه ما بله وهو: ولا تظلمون، كما تقدر في اضرب زيدا: متى جاء، فالتقدير: أينما تكونوا فلا تظلمون فتيلا أي: