أجرها، لأنهم سبب في إيجادها، إذ هم الذين سنوها، وأوضحوا طريقها (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا.
ومعنى أخرجت: أظهرت وأبرزت، ومخرجها هو الله تعالى، وحذف للعلم به. وقال ابن عباس: أخرجت من مكة إلى المدينة، وهي جملة في موضع الصفة لأمة، أي خير أمة مخرجة، ويجوز أن تكون في موضع الصفة لخير أمة، فتكون في موضع نصب أي مخرجة. وعلى هذا الوجه يكون قد روعي هنا لفظ الغيبة، ولم يراع لفظ الخطاب. وهما طريقان للعرب، إذا تقدم ضمير حاضر لمتكلم أو مخاطب، ثم جاء بعده خبره إسما، ثم جاء بعد ذلك ما يصلح أن يكون وصفا، فتارة يراعى حال ذلك الضمير فيكون ذلك الصالح للوصف على حسب الضمير فتقول: أنا رجل آمر بالمعروف، وأنت رجل تأمر بالمعروف. ومنه * (بل أنتم قوم تفتنون) * وأنك امرؤ فيك جاهلية:
* وأنت امرؤ قد كثأت لك لحية * كأنك منها قاعد في جوالق * وتارة يراعى حال ذلك الاسم، فيكون ذلك الصالح للوصف على حسبه من الغيبة. فتقول: أنا رجل يأمر بالمعروف، وأنت امرؤ تأمر بالمعروف. ومنه: كنتم خير أمة أخرجت ولو جاء أخرجتم فيراعى ضمير الخطاب في كنتم لكان عربيا فصيحا. والأولى جعله أخرجت للناس صفة لأمة، لا لخير لتناسب الخطاب في كنتم خير أمة مع الخطاب في تأمرون وما بعده. وظاهر قوله: للناس أنه متعلق بأخرجت. وقيل: متعلق بخير. ولا يلزم على هذا التأويل أنها أفضل الأمم من نفس هذا اللفظ، بل من موضع آخر. وقيل: بتأمرون، والتقدير تأمرون الناس بالمعروف. فلما قدم المفعول جر باللام كقوله: * (إن كنتم للرؤيا تعبرون) * أي تعبرون الرؤيا، وهذا فيه بعد. تأمرون بالمعروف كلام خرج مخرج الثناء من الله قاله: الربيع. أو مخرج الشرط في الخيرية، روى هذا المعنى عن: عمرو، ومجاهد، والزجاج. فقيل: هو مستأنف بين به كونهم خير أمة كما تقول: زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بمصالحهم. وقال ابن عطية: تأمرون وما بعده أحوال في موضع نصب انتهى. وقاله الراغب: والاستئناف أمكن وأمدح. وأجاز الحوفي في أن يكون تأمرون خبرا بعد خبر، وأن كون نعتا لخير أمة. قيل: وقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان، لأن الإيمان مشترك بين جميع الأمم، فليس المؤثر لحصول هذه الزيادة، بل المؤثر كونهم أقوى حالا في الأمر والنهي. وإنا الإيمان شرط للتأثير، لأنه ما لم يوجد لم يضر شيء من الطاعات مؤثرا في صفة الخيرية، والمؤثر ألصق بالأثر من شرط التأثير. وإنما اكتفى بذكر الإيمان بالله عن الإيمان بالنبوة لأنه مستلزم له انتهى. وهو من كلام محمد بن عمر الرازي. وقال الزمخشري: جعل الإيمان بكل ما يجب الإيمان به إيمانا بالله، لأن من آمن ببعض، ما يجب الإيمان به من رسول أو كتاب أو بعث أو حساب أو عقاب أو ثواب أو غير ذلك لم يعتد بإيمانه، فكأنه غير مؤمن بالله. ويقولون: نؤمن ببعض الآية انتهى. وقيل: هو على حذف مضاف، أي وتؤمنون برسول الله. والظاهر في المعروف، والمنكر العموم. وقال ابن عباس: المعروف الرسول، والمنكر عبادة الأصنام. وقال أبو العالية: المعروف التوحيد، والمنكر الشرك.
* (ولو ءامن أهل الكتاب لكان خيرا لهم) * أي ولو آمن عامتهم