تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٧
يريد: تركت. وقال زهير:
* أراني إذا ما بت بت على هوى * فثم إذا أصبحت أصبحت غاديا * يريد ثم. وقول الأخفش: وزعموا أنهم يقولون أخوك، فوجد يريدون أخوك وجد. والوجه الثاني: أن تكون الفاء تفسيرية، وتقدم الكلام فيقال لهم: ما يسوؤهم، فالم تكن آياتي، ثم اعتنى بهمزة الاستفهام فتقدمت على الفاء التفسيرية، كما تقدم على الفاء التي للتعقيب في نحو قوله: * (أفلم يسيروا فى الارض) * وهذا على مذهب من يثبت أن الفاء تكون تفسيرية نحو: توضأ زيد فغسل وجهه ويديه إلى آخر أفعال الوضوء. فالفاء هنا ليست مرتبة، وإنما هي مفسرة للوضوء. كذلك تكون في * (وأما الذين كفروا أفلم تكن) * مفسرة للقول الذي يسوؤهم وقول هذا الرجل. فلما بطل هذا يعني أن يكون الجواب فذوقوا أي تعين بطلان حذف ما قدره النحويون من قوله، فيقال لهم لوجود هذا الفاء في أفلم تكن، وقد بينا أن ذلك التقدير لم يبطل، وأنه سواء في الآيتين. وإذا كان كذلك فجواب أما هو، فيقال في الموضعين، ومعنى الكلام عليه. وأما تقديره: أأهملتكم، فلم تكن آياتي، فهذه نزعة زمخشرية، وذلك أن الزمخشري يقدر بين همزة الاستفهام وبين الفاء فعلا يصح عطف ما بعدها عليه، ولا يعتقد أن الفاء والواو وثم إذا دخلت عليها الهمزة أصلهن التقديم على الهمزة، لكن اعتنى بالاستفهام، فقدم على حروف العطف كما ذهب إليه سيبويه وغيره من النحويين. وقد رجع الزمخشري أخيرا إلى مذهب الجماعة في ذلك، وبطلان قوله الأول مذكور في النحو. وقد تقدم في هذا الكتاب حكاية مذهبه في ذلك. وعلى تقدير قول هذا الرجل: أأهملتكم، فلا بد من إضمار القول وتقديره، فيقال: أأهملتكم لأن هذا المقدر هو خبر المبتدأ، والفاء جواب أما. وهو الذي يدل عليه الكلام، ويقتضيه ضرورة. وقول هذا الرجل: فوقع ذلك جوابا له، ولقوله: أكفرتم، يعني أن فذوقوا العذاب جواب لأما، ولقوله: أكفرتم؟ والاستفهام هنا لا جواب له، إنما هو استفهام على طريق التوبيخ والإرذال بهم. وأما قول هذا الرجل: ومن نظم العرب إلى آخره، فليس كلام العرب على ما زعم، بل يجعل لكل جواب أن لا يكن ظاهرا فمقدر، ولا يجعلون لهما جوابا واحدا، وأما دعواه ذلك في قوله تعالى: * (فإما يأتينكم) * الآية. وزعمه أن قوله تعالى: * (فلا خوف عليهم) * جواب للشرطين. فقول روي عن الكسائي. وذهب بعض الناس إلى أن جواب الشرط الأول محذوف تقديره: فاتبعوه. والصحيح أن الشرط الثاني وجوابه هو جواب الشرط الأول. وتقدمت هذه الأقوال الثلاثة عند الكلام على قوله: * (فإما يأتينكم) * الآية. والهمزة في * (أكفرتم) * للتقرير والتوبيخ والتعجيب من حالهم. والخطاب في أكفرتم إلى آخره يتفرع على الاختلاف في الذين اسودت وجوههم، فإن كانوا الكفار فالتقدير: بعد أن آمنتم حين أخذ عليكم الميثاق وأنتم في صلب آدم الكذر، وإن كانوا أهل البدع فتكون البدعة المخرجة عن الإيمان. وإن كانوا قريظة والنضير فيكون إيمانهم به قبل بعثه، وكفرهم به بعده، أو إيمانهم بالتوراة وما جاء فيها من نبوته ووصفه والأمر باتباعه، وإن كانوا المنافقين فالمراد بالكفر كفرهم بقلوبهم، وبالإيمان الإيمان بألسنتهم. وإن كانوا الحرورية أو المرتدين فقد كان حصل منهم الإيمان حقيقة وفي قوله: * (أكفرتم) *. قالوا: تلوين الخطاب وهو أحد أنواع الالتفات، لأن قوله: فأما الذين اسودت غيبة، وأكفرتم مواجهة بما كنتم، الباء سببية وما مصدرية.
* (وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون) * انظر تفاوت ما بين التقسيمين هناك جمع لمن اسودت وجوههم بين التعنيف بالقول
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»