لاتحاد الجملة. لكنه قد يؤتى في الجملة الواحدة بالمظهر قصدا للتفخيم. والإشارة في قوله: تلك، وتلوين الخطاب في فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم، والتشبيه والتمثيل في تبيض وتسود، إذا كان ذلك عبارة عن الطلاقة والكآبة والحذف في مواضع.
* (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) * قال عكرمة ومقاتل: نزلت في ابن مسعود، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وقد قال لهم بعض اليهود: ديننا خير مما تدعوننا إليه، ونحن خير وأفضل. وقيل: نزلت في المهاجرين. والذي يظهر أنها من تمام الخطاب الأول في قوله: * (مستقيم ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله) * وتوالت بعد هذا مخاطبات المؤمنين من أوامر ونواه، وكان قد استطرد من ذلك لذكر من يبيض وجهه ويسود، وشئ من أحوالهم في الآخرة، ثم عاد إلى الخطاب الأول فقال تعالى: كنتم خير أمة تحريضا بهذا الإخبار على الانقياد والطواعية. والظاهر أن الخطاب هو لمن وقع الخطاب له أولا وهم: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فتكون الإشارة بقوله: أمة إلى أمة معينة وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم)، فالصحابة هم خيرها.
وقال الحسن ومجاهد وجماعة: الخطاب لجميع الأمة بأنهم خير الأمم، ويؤيد هذا التأويل كونهم * (شهداء على الناس) * وقوله: * (نحن * والسابقون السابقون) * الحديث وقوله: * (نحن) *.
وطاهر كان هنا أنها الناقصة، وخير أمة هو الخبر. ولا يراد بها هنا الدلالة على مضي الزمان وانقطاع النسبة نحو قولك: كان زيد قائما، بل المراد دوام النسبة كقوله: * (على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما) * * (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) * وكون كان تدل على الدوام ومرادفه لم يزل قولا مرجوحا، بل الأصح أنها كسائر الأفعال تدل على الانقطاع، ثم قد تستعمل حيث لا يراد الانقطاع. وقيل: كان هنا بمعنى صار، أي صرتم خير أمة. وقيل: كان هنا تامة، وخير أمة حال. وأبعد من ذهب إلى أنها زائدة، لأن الزائدة لا تكون أول كلام، ولا عمل لها. وقال الزمخشري: كان عبارة عن وجود الشيء في من ماض على سبيل الإبهام، وليس فيه دليل على عدم سابق، ولا على انقطاع طارىء. ومنه قوله تعالى: * (وكان الله غفورا) *.
ومنه قوله: كنتم خير أمة، كأنه قيل: وجدتم خير أمة انتهى كلامه. فقوله: أنها لا تدل على عدم سابق هذا إذا لم تكن بمعنى صار، فإذا كانت بمعنى صار دلت على عدم سابق. فإذا قلت: كان زيد عالما بمعنى صار، دلت على أنه انتقل من حالة الجهل إلى حالة العلم. وقوله: ولا على انقطاع طارىء قد ذكرنا قبل أن الصحيح أنها كسائر الأفعال يدل لفظ المضي منها على الانقطاع، ثم قد تستعمل حيث لا يكون انقطاع. وفرق بين الدلالة والاستعمال، ألا ترى أنك تقول: هذا اللفظ يدل على العموم؟ ثم تستعمل حيث لا يراد العموم، بل المراد الخصوص. وقوله: كأنه قال وجدتم خير أمة، هذا يعارض أنها مثل قوله: * (وكان الله غفورا رحيما) * لأن تقديره وجدتم خير أمة يدل على أنها تامة، وأن خير أمة حال. وقوله: وكان الله غفورا لا شك أنها هنا الناقصة فتعارضا. وقيل: المعنى: كنتم في علم الله. وقيل: في اللوح المحفوظ. وقيل: فيما أخبر به الأمم قديما عنكم. وقيل: هو على الحكاية، وهو متصل بقوله: * (ففى رحمة الله هم فيها خالدون) * أي فيقال لهم في القيامة: كنتم في الدنيا خير أمة، وهذا قول بعيد من سياق الكلام. وخير مضاف للنكرة، وهي أفعل تفضيل فيجب إفرادها وتذكيرها، وإن كانت جارية على جمع. والمعنى: أن الأمم إذا فضلوا أمة أمة كانت هذه الأمة خيرها. وحكم عليهم بأنهم خير أمة، ولم يبين جهة الخيرية في اللفظ وهي: سبقهم إلى الإيما برسول الله صلى الله عليه وسلم)، وبدارهم إلى نصرته، ونقلهم عنه علم الشريعة، وافتتاحهم البلاد. وهذه فضائل اختصوا بها مع ما لهم من الفضائل. وكل من عمل بعدهم حسنة فلهم مثل