الله ما استطعتم) * أمروا أولا بغاية التقوى حتى لا يقع إخلال بشيء ثم نسخ. وقال ابن عباس، وطاوس: هي محكمة. * (واتقوا الله * ما استطعتم) * بيان لقوله: اتقوا الله حق تقاته. وقيل: هو أن لا تأخذه في الله لومة لائم، ويقوم بالقسط ولو على نفسه أو ابنه أو أبيه. وقيل: لا يتقي الله عبد حق تقاته حتى يخزن لسانه. وقال ابن عباس: المعنى جاهدوا في الله حق جهاده. وقال الماتريدي: وفي حرف حفصة اعبدوا الله حق عبادته. وتقاة هنا مصدر، وتقدم الكلام عليه في * (إلا أن تتقوا منهم تقاة) *.
قال ابن عطية: ويصح أن يكون التقاة في هذه الآية جمع فاعل وإن كان لم يتصرف منه، فيكون: كرماة ورام، أو يكون جمع تقي، إذ فعيل وفاعل بمنزلة. والمعنى على هذا: اتقوا الله كما يحق أن يكون متقوه المختصون به، ولذلك أضيفوا إلى ضمير الله تعالى انتهى كلامه. وهذا المعنى ينبو عنه هذا اللفظ، إذ الظاهر أن قوله: حق تقاته من باب إضافة إلى موصوفها، كما تقول: ضربت زيدا شديد الضرب، أي الضرب الشديد. فكذلك هذا أي اتقوا الله الاتقاء الحق، أي الواجب الثابت. أما إذا جعلت التقاة جمعا فإن التركيب يصير مثل: اضرب زيدا حق ضرابه، فلا يدل هذا التركيب على معنى: اضرب زيدا كما يحق أن يكون ضرابه. بل لو صرح بهذا التركيب لاحتيج في فهم معناه إلى تقدير أشياء يصح بها المعنى، والتقدير: اضرب زيدا ضربا حقا كما يحق أن يكون ضرب ضرابه. ولا حاجة تدعو إلى تحميل اللفظ غير ظاهره وتكلف تقادير يصح بها معنى لا يدل عليه ظاهر اللفظ.
* (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * ظاهره النهي عن أن يموتوا إلا وهم متلبسون بالإسلام. والمعنى: دوموا على الإسلام حتى يوافيكم الموت وأنتم عليه. ونظيره ما حكى سيبويه من قولهم: لا أرينك ههنا، وإنما المراد لا تكن هنا فتكون رؤيتي لك. وقد تقدم لنا الكلام على هذا المعنى مستوفى في سورة البقرة في قوله: * (إن الله اصطفى لكم الدين) * الآية والجملة من قوله: وأنتم مسلمون حالية، والاستثناء مفرع من الأحوال. التقدير: ولا تموتن على حال من الأحوال إلا على حالة الإسلام. ومجيئها اسمية أبلغ لتكرر الضمير، وللمواجهة فيها بالخطاب. وزعم بعضهم أن الأظهر في الجملة أن يكون الحال حاصلة قبل، ومستصحبة. وأما لو قيل: مسلمين، لدل على الاقتران بالموت لا متقدما ولا متأخرا.
* (واعتصموا بحبل الله جميعا) * أي استمسكوا وتحصنوا. وحبل الله: العهد، أو القرآن، أو الدين، أو الطاعة، أو إخلاص التوبة، أو الجماعة، أو إخلاص التوحيد، أو الإسلام. أقوال للسلف يقرب بعضها من بعض. وروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: (كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض). وروي عنه صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (القرآن حبل الله المتين لا تنقضي عجائبه ولا تخلق على كثرة الرد من قال به صدق، ومن عمل به رشد، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم)