ارتدادها وأظلامها بغمم العذاب. ويحتمل أن يكون ذلك تسويدا ينزله الله بهم على جهة التشويه والتمثيل بهم، على نحو حشرهم زرقا، وهذه أقبح طلعة. ومن ذلك قول بشار:
* وللبخيل على أمواله علل * زرق العيون عليها أوجه سود * انتهى كلامه. وقال قوم: البياض والسواد مثلان عبر بهما عن السرور والحزن لقوله تعالى: * (ظل وجهه مسودا) * وكقول العرب لمن نال أمنيته: ابيض وجهه. ولمن جاء خائبا: جاء مسود الوجه. وقال أبو طالب:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه وقال امرؤ القيس:
وأوجههم عند المشاهد غران وقال زهير:
وأبيض فياض يداه غمامة وبدأ بالبياض لشرفه، وأنه الحالة المثلى. وأسند الابيضاض والإسوداد إلى الوجوه وإن كان جميع الجسد أبيض أو أسود، لأن الوجه أول ما يلقاك من الشخص وتراه، وهو أشرف أعضائه. والمراد: وجوه المؤمنين ووجوه الكافرين قاله أبي بن كعب. وقيل: وجوه المهاجرين والأنصار، ووجوه بني قريظة والنضير. وقيل: وجوه أهل السنة، ووجوه أهل البدعة. وقال عطاء: وجوه المخلصين، ووجوه المنافقين. وقيل: وجوه المؤمنين، ووجوه أهل الكتاب والمنافقين. وقيل: وجوه المجاهدين، ووجوه الفرار من الزحف. وقيل: تبيض بالقناعة، وتسود بالطمع. وقال الكلبي: تسفر وجوه من قدر على السجود إذا دعوا إليه، وتسود وجوه من لم يقدر.
واختلفوا في وقت ابيضاض الوجوه واسودادها، فقيل: وقت البعث من القبور. وقيل: وقت قراءة الصحف. وقيل: وقت رجحان الحسنات والسيئات في الميزان. وقيل: عند قوله: * (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) *.
وقيل: وقت أن يؤمر كل فريق بأن يتبع معبوده والعامل في * (يوم تبيض) * ما يتعلق به. ولهم عذاب عظيم أي وعذاب عظيم كائن لهم يوم تبيض وجوه. وقال الحوفي: العامل، فيه محذوف تدل عليه الجملة السابقة، أي: يعذبون يوم تبيض وجوه. وقال الزمخشري: بإضمار اذكروا، أو بالظرف وهو لهم. وقال قوم: العامل عظيم، وضعف من جهة المعنى لأنه يقتضي أن عظم العذاب في ذلك اليوم، ولا يجوز أن يعمل فيه عذاب، لأنه مصدر قد وصف. وقرأ يحيى بن وثاب، وأبو رزين العقيلي، وأبو نهيك: تبيض وتسود بكسر التاء فيهما، وهي لغة تميم: وقرأ الحسن، والزهري، وابن محيصن، وأبو الجوزاء: تبياض وتسواد بألف فيهما. ويجوز كسر التاء في تبياض وتسواد، ولم ينقل أنه قرىء بذلك.
* (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم