والجمهور. وقال بعضهم: الآية مجملة، لأن معنى قوله: بالباطل، بطريق غير مشروع. ولما لم تكن هذه الطريق المشروعة مذكورة هنا على التفصيل، صارت الآية مجملة. وإضافة الأموال إلى المخاطبين معناه: أموال بعضكم. كما قال تعالى: * (وما ملكت أيمانكم) * وقوله: * (ولا تقتلوا أنفسكم) * وقيل: يشمل قوله: أموالكم، مال الغير ومال نفسه. فنهى أن يأكل مال غيره إلا بطريق مشروع، ونهى أن يأكل مال نفسه بالباطل، وهو: إنفاقه في معاصي الله تعالى. وعبر هنا عن أخذ المال بالأكل، لأن الأكل من أغلب مقاصده وألزمها.
* (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * هذا استثناء منقطع لوجهين: أحدهما: أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل فتستثنى منها سواء أفسرت قوله بالباطل بغير عوض كما قال: ابن عباس، أم بغير طريق شرعي كما قاله غيره. والثاني: أن الاستثناء إنما وقع على الكون، والكون معنى من المعاني ليس مالا من الأموال. ومن ذهب إلى أنه استثناء متصل فغير مصيب لما ذكرناه. وهذا الاستثناء المنقطع لا يدل على الحصر في أنه لا يجوز أكل المال إلا بالتجارة فقط، بل ذكر نوع غالب من أكل المال به وهو: التجارة، إذ أسباب الرزق أكثرها متعلق بها.
وفي قوله: عن تراض دلالة على أن ما كان على طريق التجارة فشرطه التراضي، وهو من اثنين: الباذل للثمن، والبائع للعين. ولم يذكر في الآية غير التراضي، فعلى هذا ظاهر الآية يدل على أنه لو باع ما يساوي مائة بدرهم جاز إذا تراضيا على ذلك، وسواء أعلم مقدار ما يساوي أم لم يعلم. وقالت فرقة: إذا لم يعلم قدر الغبن وتجاوز الثلث، رد البيع. وظاهرها يدل على أنه إذا تعاقد بالكلام أنه تراض منهما ولا خيار لهما، وإن لم يتفرقا. وبه قال: أبو حنيفة، ومالك، وروى نحوه عن عمر. وقال الثوري، والليث، وعبيد الله بن الحسن، والشافعي: إذا عقدا فهما على الخيار ما لم يتفرقا، واستثنوا صورا لا يشترط فيها التفرق، واختلفوا في التفرق. فقيل: بأن يتوارى كل منهما عن صاحبه. وقال الليث: بقيام كل منهما من المجلس. وكل من أوجب الخيار يقول: إذا خيره في المجلس فاختار، فقد وجب البيع. وروى خيار المجلس عن عمر أيضا. وأطال المفسرون بذكر الاحتجاج لكل من هذه المذاهب، وموضوع ذلك كتب الفقه.
والتجارة اسم يقع على عقود المعاوضات المقصود منها طلب الأرباح. وأن تكون في موضع نصب أي: لكن كون تجارة عن تراض غير منهي عنه. وقرأ الكوفيون: تجارة بالنصب، على أن تكون ناقصة على قدير مضمر فيها يعود على الأموال، أو يفسره التجارة، والتقدير: إلا أن تكون الأموال تجارة، أو يكون التقدير: إلا أن تكون التجارة تجارة عن تراض منكم. كما قال: إذا كان يوما ذا كوكب أشنعا. أي إذا كان هواي اليوم يوما ذا كوكب. واختار قراءة الكوفيين أبو عبيد، وقرأ باقي السبعة: تجارة بالرفع، على أن كان تامة. وقال مكي بن أبي طالب: الأكثر في كلام العرب أن قولهم إلا أن تكون في الاستثناء بغير ضمير فيها على معنى يحدث أو يقع، وهذا مخالف لاختيار أبي عبيد. وقال ابن عطية: تمام كان يترجح عند بعض لأنها صلة، فهي محطوطة عن درجتها إذا كانت سليمة من صلة وغيرها، وهذا ترجيح ليس بالقوي، ولكنه حسن انتهى ما ذكره. ويحتاج هذا الكلام إلى فكر، ولعله نقص من النسخة شيء يتضح به هذا المعنى الذي أراده. وعن تراض: صفة للتجارة أي: تجارة صادرة عن تراض.
* (ولا تقتلوا أنفسكم) * ظاهره النهي عن قتل الإنسان نفسه كما يفعله بعض الجهلة بقصد منه، أو بحملها على غرر يموت بسببه، كما يصنع بعض الفتاك بالملوك، فإنهم يقتلون الملك ويقتلون بلا شك. وقد