تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٥٢
* بلاد بها نيطت علي تمائمي * وأول أرض مس جلدي ترابها * * بها طال تجراري ردائي حقبة * وزينب ريا الحجل درم كعابها * واسم الهجرة وفضلها الخاص قد انقطع بعد الفتح، ولكن المعنى باق إلى يوم القيامة. وقد تقدم معنى المفاعلة في هاجر، ثم ذكر الإخراج من الديار وهو: أنهم ألجئوا واضطروا إلى ذلك، وفيه إلزام الذنب للكفار. والمعنى: أن المهاجرين إنما أخرجهم سوء عشرة الكفار وقبيح أفعالهم معهم، كما قال تعالى: * (وإخراج أهله منه أكبر عند الله) * وإذا كان الخروج برأي الإنسان وقوة منه على الأعداء جاء الكلام بنسبة الخروج إليه، فقيل: خرج فلان، قال معناه: ابن عطية. قال: فمن ذلك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم) على أبي سفيان بن الحارث حين أنشده.
وردني إلى الله من طردته كل مطرد فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم): (أنت طردتني كل مطرد) إنكارا عليه. ومن ذلك قول كعب بن زهير:
* في عصبة من قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما أسلموا زولوا زالوا فما زال انكاس ولا كشف عند اللقاء ولا ميل معازيل * انتهى. ثم ذكر الإذابة في سبيل الله، والمعنى: في دين الله. وبدأ أولا بالخاص وهي الهجرة وكانت تطلق على الهجرة إلى المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وثنى بما ينشأ عنه ما هو أعم من الهجرة وهو الإخراج من الديار. فقد يخرج إلى الهجرة إلى المدينة أو إلى غيرها كخروج من خرج إلى الحبشة، وكخروج أبي جندل إذ لم يترك يقيم بالمدينة. وأتى ثالثا بذكر الإذاية وهي أعم من أن تكون بإخراج من الديار أو غير ذلك من أنواع الأذى، وارتقى بعد هذه الأوصاف السنية إلى رتبة جهاد من أخرجه ومقاومته واستشهاده في دين الله، فجمع بين رتب هذه الأعمال من تنقيص أحواله في الحياة لأجل دين الله بالمهاجرة، وإخراجه من داره وإذايته في الله، ومآله أخيرا إلى إفنائه بالقتل في سبيل الله. والظاهر: الإخبار عن من جمع هذه الأوصاف كلها بالخبر الذي بعد، ويجوز أن يكون ذلك من عطف الصلاة. والمعنى: اختلاف الموصول لا اتحاده، فكأنه قيل: فالذين هاجروا، والذين أخرجوا والذين أوذوا، والذين قاتلوا، والذين قتلوا، ويكون الخبر عن كل من هؤلاء. وقرأ جمهور السبعة: وقاتلوا وقتلوا، وقرأ حمزة والكسائي وقتلوا وقاتلوا يبدآن بالمبني للمفعول، ثم بالمبني للفاعل، فتتخرج هذه القراءة على أن الواو لا تدل على الترتيب، فيكون الثاني وقع أولا ويجوز أن يكون ذلك على التوزيع فالمعنى: قتل بعضهم وقاتل باقيهم. وقرأ عمر بن عبد العزيز: وقتلوا وقتلوا بغير ألف، وبدأ ببناء الأول للفاعل، وبناء الثاني للمفعول، وهي قراءة حسنة في المعنى، مستوفية للحالين على الترتيب المتعارف. وقرأ محارب بن دثار: وقتلوا بفتح القاف وقاتلوا. وقرأ طلحة بن مصرف: وقتلوا وقاتلوا بضم قاف الأولى، وتشديد التاء، وهي في التخريج كالقراءة الأولى. وقرأ أبو رجاء والحسن:
* (وقاتلوا وقتلوا) * بتشديد التاء والبناء للمفعول، أي قطعوا في المعركة.
* (لاكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجرى من تحتها الانهار) * لأكفرن: جواب قسم محذوف، والقسم وما تلقى به خبر عن قوله: * (فالذين هاجروا) * وفي هذه الآية ونظيرها من قوله: * (والذين هاجروا فى الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم) * * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * وقول الشاعر
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»