تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٦٥
دعوه، ثم أمرهم بالديمومة على الإيمان، لأنه أصل العبادات وبصحته تصح، ثم ذكر رجاء حصول الرشاد لهم إذا استجابوا له وآمنوا به، ثم امتن عليهم تعالى بإحلال ما كانوا ممنوعين منه، وهو النكاح في سائر الليالي المصوم أيامها، ثم نبه على العلة في ذلك بأنهن مثل اللباس لكم فأنتم لا تستغنون عنهن، ثم لما وقع بعضهم في شيء من المخالفة تاب الله عليهم وعفا عنهم، ثم إنه تعالى ما اكتفى بذكر الإخبار بالتحليل حتى أباح ذلك بصيغة الأمر فقال: * (فالن باشروهن) *، وكذلك الأكل والشرب، وغيا ثلاثتهن بتبيين الفجر، ثم أمرهم أمر وجوب بإتمام الصيام إلى الليل. ولما كان إحلال النكاح في سائر ليالي الصوم، وكان من أحوال الصائم الاعتكاف، وكانت مباشرة النساء في الاعتكاف حراما نبه على ذلك بقوله: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) *.
ثم أشار إلى الحواجز وهي: الحدود، وأضافها إليه ليعلم أن الذي حدها هو الله تعالى، فنهاهم عن قربانها، فضلا عن الوقوع فيها مبالغة في التباعد عنها، ثم أخبر أنه يبين الآيات ويوضحها وهي سائر الأدلة والعلامات الدالة على شرائع الله تعالى مثل هذا البيان الواضح في الأحكام السابقة ليكونوا على رجاء من تقوى الله المفضية بصاحبها إلى طاعة الله تعالى، ثم نهاهم عن أن يأكل بعضهم مال بعض بالباطل، وهي الطريق التي لم يبح الله الاكتساب بها، ونهاكم أيضا عن رشاء حكام السوء ليأخذوا بذلك شيئا من الأموال التي لا يستحقونها، وقيد النهي والأخذ بقيد العلم بما يرتكبونه تقبيحا لهم، وتوبيخا لهم، لأن من فعل المعصية وهو عالم بها وبما يترتب عليها من الجزاء السيء كان أقبح في حقه وأشنع ممن يأتي في المعصية وهو جاهل فيها. وبما يترتب عليها.
ولما كان افتتاح هذه الآية الكريمة بالأمر المحتم بالصيام وكان من العبادات الجليلة التي أمر فيها باجتناب المحرمات، حتى إنه جاء في الحديث: (فإن امرؤ سبه، فليقل: إني صائم). وجاء عن الله تعالى: (الصوم لي وأنا أجزى به)، وكان من أعظم ممنوعاته وأكبرها الأكل فيه، اختتم هذه الآيات بالنهي عن أكل الأموال بالباطل، ليكون ما يفطر عليه الصائم من الحلال الذي لا شبهة فيه، فيرجى أن يتقبل عمله وأن لا يكون من (الصائمين الذين ليس لهم من صومهم إلا الجوع والعطش). فافتتحت هذه الآيات بواجب مأمور به، واختتمت بمحرم منهي عنه، وتخلل بين الابتداء والانتهاء أيضا أمر ونهي، وكل ذلك تكاليف من الله تعالى بامتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى تعالى عنه، أعاننا الله عليها.
2 (* (يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولاكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون * وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذالك جزآء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين * الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين * وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين * وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»