تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٥٦
وقد جاء في فضل إنظار المعسر أحاديث كثيرة، منها: (من أنظر معسرا، ووضع عنه، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله). ومنها: (يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول: يا رب ما عملت لك خيرا قط أريدك به إلا أنك رزقتني مالا فكنت أوسع على المقتر، وأنظر المعسر، فيقول الله عز وجل: أنا أحق بذلك منك. فتجاوزوا عن عبدي).
* (وأن تصدقوا خير لكم) * أي: تصدقوا على الغريم برأس المال أو ببعضه خير من الإنظار، قاله الضحاك والسدي، وابن زيد، والجمهور. وقيل: وان تصدقوا فالإنظار خير لكم من المطالبة، وهذا ضعيف، لأن الإنظار للمعسر واجب على رب الدين، فالحمل على فائدة جديدة أولى. ولأن: أفعل التفضيل باقية على أصل وصفها، والمراد بالخير: حصول الثناء الجميل في الدنيا والأجر الجزيل في الآخرة. وقال قتادة: ندبوا إلى أن يتصدقوا برؤوس أموالهم على الغني والفقير.
وقرأ الجمهور: وأن تصدقوا، بادغام التاء في الصاد، وقرأ عاصم: تصدقوا، بحذف التاء. وفي مصحف عبد الله: تتصدقوا، بتاءين وهو الأصل، والإدغام تخفيف. والحذف أكثر تخفيفا.
* (إن كنتم تعلمون) *: يريد العمل، فجعله من لوازم العلم، وقيل: تعلمون فضل التصدق على الإنظار والقبض، وقيل: تعلمون أن ما أمركم به ربكم أصلح لكم.
قيل: آخر آية نزلت آية الربا، قاله عمر، وابن عباس، ويحمل على أنها من آخر ما نزل، لأنه الجمهور قالوا: آخر آية نزلت: * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) * فقيل: قبل موته بتسع ليال، ثم لم ينزل شيء. وروي: بثلاث ساعات، وقيل: عاش بعدها صلى الله عليه وسلم) أحدا وثمانين يوما. وقيل: أحدا وعشرين يوما. وقيل: سبعة أيام. وروي أنه قال: (أجعلوها بين آية الربا وآية الدين). وروي أنه قال عليه السلام: جاءني جبريل فقال: إجعلها على رأس مائتين وثمانين آية من البقرة.
وتقدم الكلام على: واتقوا يوما، في قوله: * (واتقوا يوما) *.
وقرأ يعقوب، وأبو عمرو: ترجعون، مبنيا للفاعل، وخبر عباس عن أبي عمرو وقرأ باقي السبعة منبيا للمفعول وقرأ الحسن: يرجعون، على معنى يرجع جميع الناس، وهو من باب الالتفات. قال ابن جني: كان الله تعالى رفق بالمؤمنين عن أن يواجههم بذكر الرجعة إذ هي مما تتفطر له القلوب، فقال لهم: واتقوا، ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقا بهم. انتهى.
وقرأ أبي: تردون، بضم التاء، حكاه عنه ابن عطية وقال الزمخشري: وقرأ عبد الله: يردون. وقرأ أبي: تصيرون. انتهى.
قال الجمهور والمراد بهذا اليوم يوم القيامة، وقال قوم: هو يوم الموت، والأول أظهر لقوله: * (ثم * الله كل نفس ما كسبت) * والمعنى إلى حكم الله وفصل قضائه.
* (ثم توفى كل نفس) * أي تعطى وافيا جزاء * (ما كسبت) * من خير وشر، وفيه نص على تعلق الجزاء بالكسب، وفيه رد على الجبرية.
* (وهم لا يظلمون) * أي: لا ينقصون مما يكون جزاء العمل الصالح من الثواب، ولا يزادون على جزاء العمل السيء من العقاب، وأعاد الضمير أولا في: كسبت، على لفظ: النفس، وفي قوله: وهم لا يظلمون، على المعنى لأجل فاصلة الآي، إذ لو أتى وهي لا تظلم لم تكن فاصلة، ومن قرأ: يرجعون، بالياء فتجيء: وهم، عليه غائبا مجموعا لغائب مجموع.
(* (ياأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 ... » »»