عموم نفي الأخذ بأي طريق أخذ الخبيث، من أخذ حق، أوهبة.
والهاء في: بآخذيه، عائدة على الخبيث، وهي مجرورة بالإضافة، وأن كانت من حيث المعنى مفعوله. قال بعض المعربين: والهاء في موضع نصب: بآخذين، والهاء والنون لا يجتمعان، لأن النون زائدة، وهاء الضمير زائدة ومتصلة كاتصال النون، فهي لا تجتمع مع المضمر المتصل. إنتهى كلامه. وهو قول الأخفش: أن التنوين والنون قد تسقطان للطافة الضمير لا للإضافة، وذلك في نحو: ضاربك، فالكاف ضمير نصب، ومذهب الجمهور أنه لا يسقط شيء منها للطافة الضمير، وهذا مذكور في النحو. وقد أجاز هشام: ضاربنك، بالتنوين، ونصب الضمير، وقياسه جواز إثبات النون مع الضمير، ويمكن أن يستدل له بقوله:
هم الفاعلون الخير والآمرونه وقوله:
ولم يرتفق والناس محتضرونه * (إلا أن تغمضوا فيه) * موضع أن نصب أو خفض عند من قدره إلا بأن تغمضوا، فحذف الحرف، إذ حذف جائز مطرد، وقيل: نصب بتغمضوا، وهو موضع الحال، وقد قدمنا قبل، أن سيبويه لا يجيز انتصاب أن والفعل مقدرا بالمصدر في موضع الحال، وقال الفراء: المعنى معنى الشرط والجزاء، لأن معناه إن أغمضتم أخذتم، ولكن إلا وقعت على أن ففتحتها، ومثله: (الا أن يخافه) و * (إلا أن يعفون) * هذا كله جزاء، وأنكر أبو العباس وغيره قول الفراء، وقالوا: أن، هذه لم تكن مكسورة قط، وهي التي تتقدر، هي وما بعدها، بالمصدر، وهي مفتوحة على كل حال، والمعنى: إلا بإغماضكم.
وقرأ الجمهور: تغمضوا، من أغمض، وجعلوه مما حذف مفعوله، أي: تغمضوا، بضم التاء وفتح الغين وكسر الميم مشدودة، ومعناه معنى قراءة الجمهور. وروى عنه: تغمضوا، بفتح التاء وسكون الغين وكسر الميم، مضارع: غمض، وهي لغة في أغمض، ورويت عن اليزيدي: تغمضوا، بفتح وضم الميم، ومعناه: إلا أن يخفي عليكم رأيكم فيه. وروي عن الحسن: تغمضوا مشددة الميم مفتوحة. وقرأ قتادة تغمضوا، بضم التاء وسكون الغين وفتح الميم مخففا، ومعناه: إلا أن يغمض لكم.
وقال أبو الفتح: معناه إلا أن توجدوا قد أغمصتم في الأمر بتأولكم أو بتساهلكم، كما تقول: أحمد الرجل أصيب محمودا، وقيل: معنى قراءة قتادة: إلا أن تدخلوا فيه وتجذبوا إليه.
* (واعلموا أن الله غني حميد) * أي: غني عن صدقاتكم، وإنما هي أعمالكم ترد عليكم، حميد أي: محمود على كل حال، إذ هو مستحق للحمد.
وقال الحسن: يستحمد إلى خلقه، أي: يعطيهم نعما يستدعي بها حمدهم. وقيل: مستحق للحمد على ما تعبدكم به.
* (الشيطان يعدكم الفقر) * أي: يخوفكم بالفقر، يقول للرجل أمسك فإن تصدقت افتقرت وروى أبو حيوة عن رجل من أهل الرباط أنه قرأ: الفقر، بضم الفاء، وهي لغة. وقرئ: الفقر، بفتحتين.
* (ويأمركم بالفحشاء) * أي: يغريكم بها إغراء الآمر، والفحشاء: البخل وترك الصدقة، أو المعاصي مطلقا، أو الزنا، أقوال. ويحتمل أن تكون الفحشاء: الكلمة السيئة، كما قال الشاعر:
* ولا ينطق الفحشاء من كان منهم * إذا جلسوا منا ولا من سوائنا وكأن الشيطان يعد الفقر لمن أراد أن يتصدق، ويأمره، إذ منع، بالرد القبيح على السائل، وبخه وأقهره بالكلام السيء.
* وروي ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم)، أنه قال: (إن للشيطان لمة من ابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فمن وجد ذلك فليتعوذ. وأما لمة الملك فوعد بالحق وتصديق بالخير، فمن وجد ذلك فليحمد الله). ثم قرأ عليه السلام: * (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) * الآية.
وتقدم وعد الشيطان على أمره، لأنه بالوعد يحصل