فإن قلت: فما معنى التبعيض؟
قلت: معناه أن من بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه معا فهو الذي ثبتها كلها * (وتجاهدون فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) * إنتهى. والظاهر أن نفسه هي التي تثبته وتحمله على الإنفاق في سبيل الله، ليس له محرك إلا هي، لما اعتقدته من الإيمان وجزيل الثواب، فهي الباعثة له على ذلك، والمثبتة له بحسن إيمانها وجليل اعتقادها.
وقرأ عاصم الجحدري * (كمثل حبة) * بالحاء والباء في: بربوة، ظرفية، وهي في موضع الصفة فتتعلق بمحذوف. وخص الربوة لحسن شجرها وزكاء ثمرها. كما قال الشاعر، وهو الخليل بن أحمد، رحمه الله تعالى:
* ترفعت عن ندى الأعماق وانخفضت * عن المعاطش واستغنت بسقياها شع فمال بالخوخ والرمان أسفلها واعتم بالنخل والزيتون أعلاها تفسير ابن عباس: الربوة، بالمكان المرتفع الذي لا يجرى فيه الأنهار، إنما يريد المذكورة لقوله: * (أصابها وابل) * فدل على أنها ليس فيها ماء جار، ولم يرد أن جنس الربوة لا يجرى فيها ماء، ألا ترى قوله تعالى: * (إلى ربوة ذات قرار ومعين) * وخصت بأن سقياها الوابل لا الماء الجاري فيها على عادة بلاد العرب بما يحسونه كثيرا.
وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي: المفسرون قالوا: البستان إذا كان في ربوة كان أحسن، وأكثر ريعا، وفيه لي أشكال، لأنه يكون فوق الماء، ولا ترتفع إليه الأنهار، وتضربه الرياح كثيرا، فلا يحسن ريعه. وإذا كان في وهدة انصبت إليه المياء، ولا تصل إليه آثار الرياح، فلا يحسن أيضا ريعه، وإنما يحسن ريعه في أرض مستوية، فالمراد بالربوة ليس ما ذكروه، وإنما هو كون الأرض طيبة بحيث إذا نظر نزول المطر عليها انتفخت وربت، فيكثر ريعها، وتكمل الأشجار فيها. ويؤيده: * (وترى الارض هامدة) * الآية. وأنه في مقابلة المثل الأول، والأول لا يؤثر فيه المطر، وهو: الصفوان. انتهى كلامه. وفيه بعض تلخيص، وما قاله قاله قبله الحسن. الربوة الأرض المستوية التي لا تعلو فوق الماء. وقال الشاعر في رياض الحزن:
* ما روضة من رياض الحزن معشبة * خضراء جاد عليها وابل هطل ولا يراد: برياض الحزن، رياض الربا، كما زعم الطبري، بل: رياض الحزن هي المنسوبة إلى نجد، ونجد يقال لها: الحزن، وإنما نسبت الروضة إلى الحزن وهو نجد، لأن نباته أعطر، ونسيمه أبرد، وأرق. فهي خير من رياض تهامة.
* وقرأ ابن عامر، وعاصم بفتح الراء، وباقي السبعة بالضم. وكذلك خلافهم في * (قد أفلح) * وقرأ ابن عباس بكسر الراء وقرأ أبو جعفر، وأبو عبد الرحمن: برباوة، على وزن: كراهة. وأبو الأشهب العقيلي: برباوة، على وزن رسالة.
* (أصابها وابل) * جملة في موضع الصفة لجنة، وبدىء بالوصف بالمجرور، ثم بالوصف بالجملة، وهذا الأكثر في لسان العرب، وبدىء بالوصف الثابت، وهو: كونها بربوة، ثم بالوصف العارض، وهو * (أصابها وابل) * وجاء في وصف صفوان قوله: عليه تراب، ثم عطف عليه بالفاء، وهنا لم يعطف، بل أخرج صفة، وينظر ما الفرق بين الموضعين، وجوز أن يكون: * (أصابها وابل) * حالا من جنة. لأنها نكرة، وقد وصفت حالا من الضمير في الجار والمجرور.
* (فأتت أكلها ضعفين) * آتت بمعنى: أعطت، والمفعول الأول محذوف، التقدير: فآتت صاحبها، أو: أهلها أكلها. كما حذف في قوله * (كمثل جنة) * أي:
صاحب أو: غارس جنة، ولأن المقصود ذكر ما يثمر لا لمن تثمر، إذ هو معلوم، ونصب: ضعفين، على الحال، ومن زعم أن: ضعفين، مفعول ثان: لآتت، فهو ساه، وليس المعنى عليه، وكذلك قول من زعم إن آتت بمعنى أخرجت، وأنها تتعدى لواحد، إذ لا يعلم ذلك في لسان العرب، ونسبة الإيتاء إليها مجاز، والأكل بضم الهمزة الشيء