ويحتمل أن يكون أمر بأخذ أربعة، أي أربعة كانت من غير تعيين، إذ لا كبير علم في ذكر التعيين.
وقد احتلفوا فيما أخذ، فقال ابن عباس: أخذ طاووسا ونسرا وديكا وغرابا. وقال مجاهده، وعكرمة، وعطاء، وابن جريج، وابن زيد: كذلك، إلا أنهم جعلوا حمامة بدل النسر. وقال ابن عباس أيضا، فيما روى عبد الرحمن بن هبيرة عنه: أخذ حمامة وكركيا وديكا وطاووسا. وقال في رواية الضحاك: أخذ طاووسا وديكا ودجاجة سندية وأوزة. وقال في رواية أخرى عن الضحاك: أنه مكان الدجاجة السندية: الرأل، وهو فرخ النعام. وقال مجاهد فيما روى ليث: ديك وحمامة وبطة وطاووس. وقال: ديك وحمامة وبطة وغراب.
وزاد عطاء الخراساني وصفا في هذه الأربعة فقال: ديك أحمر، وحمامة بيضاء، وبطة خضراء، وغراب أسود.
وقال أبو عبد الله: طاووس وحمامة وديك وهدهد، ولما سأل ربه أن يريه كيفية إحياء الموتى، وكان لفظ الموتى جمعا، أجيب بأن يأخذ ما مدلوله جمع، لا أن يأخذ واحدا. قيل: وخص هذا العدد بعينه إشارة إلى الأركان الأربعة التي في تركيب أبدان الحيوانات والنباتات، وكانت من الطير، قيل لأن الطير همته الطيران في السماء والارتفاع، والخليل عليه السلام كانت همته العلو والوصول إلى الملكوت، فجعلت معجزته مشاكلة لهمته، وعلى القول الأول في تعيين الأربعة بما عين قيل: خص الطاووس إشارة إلى شدة الشغف بالأكل وطول الأمل، والديك إشارة إلى شدة الشغف بقضاء شهوة النكاح، والغراب إشارة إلى شدة الحرص والطلب. وما أبدوه في تخصيص الأربعة وفي تعيينها لا تكاد تظهر حكمته فيما ذكروه، وما أجراه الله تعالى لأنبيائه من الخوارق مختلف، وحكمة اختصاص كل نبي بما أجرى الله له منها مغيبة عنا. ألا ترى خرق العادة لموسى في أشياء، ولعيسى في أشياء غيرها، ولرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم) وعليهم في أشياء لا يظهر لنا سر الحكمة في ذلك؟ فكذلك كون هذه الأربعة من الطير، لا يظهر لنا سر حكمته في ذلك.
وأمره بالأخذ للطيور وهو: إمساكها بيده ليكون أثبت في المعرفة بكيفية الإحياء، لأنه يجتمع عليه حاسة الرؤية، وحاسة اللمس.
والطير اسم جمع لما لا يعقل، يجوز تذكيره وتأنيثه، وهنا أتى مذكرا لقوله تعالى * (وخذ * أربعة من الطير) * وجاء على الأفصح في اسم الجمع في العدد حيث فصل: بمن، فقيل: أربعة من الطير يجوز الإضافة، كما قال تعالى: * (تسعة رهط) * ونص بعض أصحابنا على أن الإضافة لاسم الجمع في العدد نادرة لا يقاس عليها، ونص بعضهم على أن اسم الجمع لما لا يعقل مؤنث، وكلا القولين غير صواب.
* (فصرهن إليك) * أي قطعهن، قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وابن إسحاق. وقال ابن عباس: هي بالنبطية. وقال أبو الأسود: هي بالسريانية، وقال أبو عبيدة: قطعهن. وأنشد للخنساء:
* فلو يلاقي الذي لاقيته حضن * لظلت الشم منه وهي تنصار * أي تتقطع. وقال قتادة: فصلهن، وعنه: مزقهن وفرقهن. وقال عطاء بن أبي رباح: اضممهن إليك. وقال ابن زيد: إجمعهن. وقال ابن عباس أيضا، أوثقهن. وقال الضحاك: شققهن، بالنبطية. وقال الكسائي: أملهن.
وإذا كان: فصرهن، بمعنى الإمالة فتتلعق إليك به، وإذا كان بمعنى التقطيع تعلق بخذ.
وقرأ حمزة، ويزيد، وخلف، ورويس، بكسر الصاد، وباقي السبعة بالضم. وهما لغتان، كما تقدم: صار يصور ويصير، بمعنى أمال. وقرأ ابن عباس وقوم