بما أعطى، فيبلغ ذلك المعطى، فيؤذيه. ومن الأذى أن يسب المعطى، أو يشتكي منه، أو يقول: ما أشد إلحاحك، و: خلصنا الله منك، و: أنت أبدا تجيئني، أو يكلفه الاعتراف بما أسدى إليه. وقيل: الأذى أن يذكر إنفاقه عليه عند من لا يحب وقوفه عليه. وقال زيد بن أسلم: إن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه، تريد وجه الله، فلا تسلم عليه. وقالت له: امرأة يا أبا اسامة؟ دلني على رجل يخرج في سبيل الله حقا، فإنهم إنما يخرجون الفواكه، فإن عندي أسهما وجيعة. فقال لها: لا بارك الله في أسهمك وجيعتك، فقد آذيتهم قبل أن تعطيهم.
* (لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * تقدم تفسير هذه الجملة فأغنى عن إعادته.
و * (الذين ينفقون) * مبتدأ والجملة من قوله: * (لهم أجرهم) * خبر، ولم يضمن المبتدأ معنى اسم الشرط، فلم تدخل الفاء في الخبر، وكان عدم التضمين هنا لأن هذه الجملة مفسرة للجملة قبلها، والجملة التي قبلها أخرجت مخرج الشيء الثابت المفروغ منه، وهو نسبة إنفاقهم بالحبة الموصوفة، وهي كناية عن حصول الأجر الكثير، فجاءت هذه الجملة، كذلك أخرج المبتدأ والخبر فيهما مخرج الشيء الثابت المستقر الذي لا يكاد خبره يحتاج إلى تعليق استحقاق بوقوع ما قبله، بخلاف ما إذا دخلت الفاء فإنها مشعرة بترتب الخبر على المبتدأ، واستحقاقه به.
وقيل: * (الذين ينفقون) * خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم الذين ينفقون * (ولهم * أجرهم) * في موضع الحال، وهذا ضعيف، أعنى: جعل لهم أجرهم في موضع الحال، بل الأولى إذا أعرب: الذين، خبر مبتدأ محذوف أن يكون: لهم أجرهم، مستأنفا وكأنه جواب لمن قال: هل لهم أجر؟ وعند من أجرهم؟ فقيل * (لهم أجرهم عند ربهم) * وعطف: بثم، التي تقتضي المهلة، لأن من أنفق في سبيل الله ظاهر ألا يحصل منه غالبا المن والأذى، بل إذا كانت بنية غير وجه الله تعالى، لا يمن ولا يؤذي على الفور، فذلك دخلت: ثم، مراعاة للغالب. وإن حكم المن والأذى المعتقبين للإنفاق، والمقارنين له حكم المتأخرين.
وقال الزمخشري: ومعنى: ثم، إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى، وأن تركهما خير من نفس الإنفاق، كما جعل الإستقامة على الإيمان خيرا من الدخول فيه بقوله: * (ثم استقاموا) * انتهى كلامه.
وقد تكرر للزمخشري ادعاء هذا المعنى لثم، ولا أعلم له في ذلك سلفا، وقد تكلمنا قبل هذا معه في هذا المعنى، و: ما، من * (ما أنفقوا) * موصول عائده محذوف، أي: أنفقوه، ويجوز أن تكون مصدرية، أي: إنفاقهم، وثم محذوف، أي: منا على المنفق عليه، ولا أذى له، وبعد ما قاله بعضهم من أن ولا أذى من صفة المعطي، وهو مستأنف، وكأنه قال: الذين ينفقون ولا يمنون ولا يتأذون بالإنفاق، وكذلك يبعد ما قاله بعضهم من أن قوله: * (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * لا يراد به في الآخرة، وأن المعنى: إن حق المنفق في سبيل الله أن يطيب به نفسه، وأن لا يعقبه المن، وأن لا يشفق من فقر يناله من بعد، بل يثق بكفاية الله ولا يحزن إن ناله فقر.
* (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) * أي: رد جميل من المسؤول، وعفو من السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسؤول من إلحاح أو سب أو تعريض بسبب، كما يوجد في كثير من المستعطين، وقيل: معنى و: مغفرة، أي: نيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل. وقيل: ومغفرة، أي عفو من جهة السائل، لأنه إذا رده ردا جميلا عذره. وقيل: قول معروف، هو الدعاء والتأسي والترجئة بما عند الله، وقيل: الدعاء لأخيه بظهر الغيب، وقيل: الأمر بالمعروف خير ثوابا عند الله من صدقة يتبعها أذى. وقيل: التسبيحات والدعاء والثناء والحمد لله والمغفرة، أي: الستر على نفسه والكف عن إظهار ما ارتكب من المآثم خير، أي: أخف على البدن من صدقة يتبعها أذى. وقيل: المغفرة الاقتصار على القول الحسن، وقيل: المغفرة أن يسأل الله الغفران لتقصير في عطاء وسد خلة، وقيل: المغفرة هنا ستر خلة المحتاج، وسوء حاله. قاله ابن جرير، وقيل، لأعرابي سأل بكلام فصيح، ممن الرجل؟