تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٤
انتهى. فيكون على هذا القول: آمنوا على حقيقته.
* (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) * قال مجاهد، وعبدة بن أبي لبابة، نزلت في قوم آمنوا بعيسى، فلما جاء محمد عليه السلام كفروا به، فذلك إخراجهم من النور إلى الظلمات.
وقال الكلبي يخرجونهم من إيمانهم بموسى عليه السلام واستفتاحهم بمحمد صلى الله عليه وسلم) إلى كفرهم به، وقيل: من فطرة الإسلام، وقيل: من نور الإقرار بالميثاق، وقيل: من الإقرار باللسان إلى النفاق. وقيل: من نور الثواب في الجنة إلى ظلمة العذاب في النار. وقيل: من نور الحق إلى ظلمة الهوى. وقيل: من نور العقل إلى ظلمة الجهل.
وقال الزمخشري: من نور البينات التي تظهر لهم إلى ظلمات الشك والشبهة.
وقال ابن عطية: لفظ الآية مستغن عن التخصيص، بل هو مترتب في كل أمة كافرة آمن بعضها كالعرب، وذلك أن كان من آمن منهم فالله وليه، أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، ومن كفر بعد وجود الداعي، النبي المرسل، فشيطانه ومغويه كأنه أخرجه من الإيمان، إذ هو معد، وأهل للدخول فيه، وهذا كما تقول لمن منعك الدخول في أمر: أخرجتني يا فلان من هذا الأمر، وإن كنت لم تدخل فيه البتة. انتهى.
والمراد بالطاغوت: الصنم، لقوله: * (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) * وقيل: الشياطين والطاغوت اسم جنس.
وقرأ الحسن: الطواغيت بالجمع.
وقد تباين الإخبار في هاتين الجملتين، فاستفتحت آية المؤمنين باسم الله تعالى، وأخبر عنه بأنه ولي المؤمنين تشريفا لهم إذ بدى في جملتهم باسمه تعالى، ولقربه من قوله: * (والله سميع عليم) * واستفتحت آية الكافرين بذكرهم نعيا عليهم، وتسمية لهم بما صدر منهم من القبيح ثم أخبر عنهم بأن أولياءهم الطاغوت، ولم يصدر الطاغوت استهانة به، وأنه مما ينبغي أن لا يجعل مقابلا لله تعالى، ثم عكس الإخبار فيه فابتدىء بقوله: أولياؤهم، وجعل الطاغوت خبرا. كأن الطاغوت هو مجهول. أعلم المخاطب بأن أولياء الكفار هو الطاغوت، والأحسن في: يخرجهم ويخرجونهم أن لا يكون له موضع من الإعراب، لأنه خرج مخرج التفسير للولاية، وكأنه من حيث إن الله ولي المؤمنين بين وجه الولاية والنصر والتأييد، بأنها آخراجهم من الظلمات إلى النور، وكذلك في الكفار.
وجوزوا أن يكون: يخرجهم، حالا والعامل فيه: ولي، وأن يكون خبرا ثانيا، وجوزوا أن يكون: يخرجونهم، حالا والعامل فيه معنى الطاغوت. وهو نظير ما قاله أبو علي: من نصب: نزاعة، على الحال، والعامل فيها: لظى، وسنذكره في موضعه إن شاء الله و: من، و: إلى، متعلقان بيخرج.
* (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * تقدم تفسير هذه الجملة فأغنى عن إعادته.
وذكروا في هذه الآيات أنواعا من الفصاحة وعلم البيان، منها في آية الكرسي: حسن الافتتاح لأنها افتتحت بأجل أسماء الله تعالى، وتكرار اسمه في ثمانية عشر موضعا، وتكرير الصفات، والقطع للجمل بعضها عن بعض، ولم يصلها بحرف العطف. والطباق: في قوله * (الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم) * فإن النوم موت وغفلة، والحي القيوم يناقضه. وفي قوله: * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون) * والتشبيه: في قراءة من قرأ * (وسع كرسيه السماوات والارض) * أي كوسع، فإن كان الكرسي جرما فتشبيه محسوس بمحسوس، أو معنى فتشبيه معقول بمحسوس.
ومعدول الخطاب في * (لا إكراه فى الدين) * إذا كان المعنى لا تكرهوا على الدين أحدا. والطباق: أيضا في قوله * (قد تبين الرشد من الغي) * وفي قوله: * (ءامنوا * وكفروا) * وفي قوله * (من الظلمات إلى النور) * والتكرار: في
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»