وقال قتادة: هو أول من تجبر، وهو صاحب الصرح ببابل. قيل: إنه ملك الدنيا بأجمعها ونفذت فيها طينته، وقال مجاهد: ملك الأرض مؤمنان: سليمان وذو القرنين، وكافران: نمروذ وبخت نصر. وقيل: هو نمروذ بن يجاريب بن كوش بن كنعان ابن سام بن نوح. وقيل: نمروذ بن فايخ بن عابر بن سايخ بن ارفخشده بن سام بن نوح. وحكى السهيلي أنه: النمروذ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح، وكان ملكا على السودان، وكان ملكه الضحاك الذي يعرف بالازدهاق، واسمه اندراوست بن اندرشت، وكان ملك الأقاليم كلها، وهو الذي قتله أفريدون بن أهبان، وفيه يقول أبو تمام حبيب في قصيد مدح به الأفشين، وذكر أخذه بابك الخرمي:
* بل كان كالضحاك في فتكاته * بالعالمين، وأنت أفريدون * وهو أول من صلب وقطع الأيدي والأرجل، وملك نمروذ أربعمائة عام فيما ذكروا: وله ابن يسمى نمروذا الأصغر ملك عاما واحدا.
ومعنى: * (حاج إبراهيم فى ربه) * أي: عارض حجته بمثلها، أو: أتى على الحجة بما يبطلها، أو: أظهر المغالبة في الحجة. ثلاثة أقوال.
واختلفوا في وقت الحاجة، فقيل: خرجوا إلى عيد لهم، فدخل إبراهيم على أصنامهم فكسرها، فلما رجعوا قال: أتعبدون ما تنحتون؟ فقال له: فمن تعبد؟ قال: أعبد * (ربي الذى يحى) * وقيل: كان نمروذ يحتكر، فإذا احتاجوا اشتروا منه الطعام، فإذا دخلوا عليه سجدوا له، فلما دخل إبراهيم لم يسجد له، فقال: مالك لم تسجد لي؟ فقال: أنا لا أسجد إلا لربي فقال له نمروذ: من ربك؟ قال: * (إبراهيم ربي الذى يحى ويميت) *.
وفي قوله: إنه كان كلما جاء قوم قال من ربكم وإلهكم؟ فيقولون: أنت، فيقول: ميروهم وجاء إبراهيم يمتار، فقال له: من ربك وإلهك؟ فقال: * (ربي الذى يحى ويميت) *.
وقيل: كانت الحاجة بعد أن خرج من النار التي ألقاه فيها النمروذ، وذكروا أنه لما لم يمره النمروذ، مر على رمل أعفر، فأخذ منه وأتى أهله ونام، فوجدوه أجود طعام، فصنعت منه وقربته له، فقال: من أين هذا؟ قالت من الطعام الذي جئت به فعرف أن الله رزقه، فحمد الله.
وقيل: مر على رملة حمراء، فأخذ منها، فوجدوها حنطة حمراء، فكان إذا زرع منها جاء سنبله من أصلها إلى فرعها حبا متراكبا.
في: ربه، يحتمل أن يعود الضمير على إبراهيم، وأن يعود على النمروذ، والظاهر الأول.
* (أن آتاه الله الملك) * الظاهر أن الضمير في: آتاه، عائد على: الذي حاج، وهو قول الجمهور، و: أن آتاه، مفعول من أجله على معنيين: أحدهما: أن الحامل له على المحاجة هو ايتاؤه الملك، أبطره وأورثه الكبر، والعتو، فحاج لذلك. والثاني: أنه وضع المحاجة موضع ما وجب عليه من الشكر لله تعالى على ايتائه الملك، كما تقول: عاداني فلان لأني أحسنت إليه، تريد أنه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان. ومنه: * (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) * وأجاز الزمخشري أن يكون التقدير: حاج وقت أن يكون التقدير: حاج وقت أن آتاه الله الملك، فإن عنى أن ذلك على حذف مضاف، فيمكن ذلك على أن فيه بعدا من جهة أن المحاجة لم تقع وقت أن آتاه الله الملك. إلا أن يجوز في الوقت، فلا يحمل على ما يقتضيه الظاهر من أنه وقت ابتداء إيتاء الله الملك له، ألا ترى أن إيتاء الله الملك إياه سابق على الحاجة وإن عنى أن: أن والفعل، وقعت موقع المصدر الواقع موقع ظرف الزمان؟ كقولك: جئت خفوق النجم، ومقدم الحاج، وصياح الديك؟ فلا يجوز ذلك، لأن النحويين مضوا على أنه لا يقوم مقام ظرف الزمان إلا المصدر المصرح بلفظه، فلا يجوز: أجىء أن يصيح الديك، ولا جئت أن صاح الديك. وقال المهدوي: يحتمل أن يعود الضمير على إبراهيم: أي آتاه ملك النبوة. قال ابن عطية: وهذا تحامل من التأويل. إنتهى. وما ذكره المهدوي