تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٩١
تعود على الله تعالى، وقيل: تعود على يالكرسي، والظاهر الأول لتكون الضمائر متناسبة لواحد ولا تختلف، ولبعد نسبة الحفظ إلى الكرسي.
* (وهو العلى العظيم) * علي في جلاله، عظيم في سلطانه. وقال ابن عباس: الذي كمل في عظمته، وقيل: العظيم المعظم، كما يقال: العتيق في المعتق، قال الأعشى:
* وكأن الخمر العتيق من الاس * فنط ممزوجة بماء زلال * وأنكر ذلك لانتفاء هذا الوصف قبل الخلق وبعد فنائهم، إذ لا معظم له حينئذ، فلا يجوز هذا القول. وقيل: والجواب أنها صفة فعل: كالخلق والرزق، فلا يلزم ما قالوه. وقيل: العلى الرفيع فوق خلقه، المتعالي عن الأشباه والأنداد، وقيل: العالي من: علا يعلو: ارتفع، أي: العالي على خلقه بقدرته، والعظيم ذو العظمة الذي كل شيء دونه، فلا شيء أعظم منه. قال الماوردي: وفي الفرق بين العلي والعالي وجهان: أحدهما: ان العالي هو الموجود في محل العلو، والعلي هو مستحق للعلو. الثاني: أن العالي هو الذي يجوز أن يشارك، والعلي هو الذي لا يجوز أن يشارك، فعلى هذا الوجه يجوز أن يوصف الله بالعلي لا بالعالي، وعلى الأول يجوز أن يوصف بهما، وقيل: العلي: القاهر الغالب للأشياء، تقول العرب: علا فلان فلانا غلبه وقهره. قال الشاعر:
* فلما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر * ومنه * (إن فرعون علا فى الارض) * وقال الزمخشري: العلي الشأن العظيم الملك والقدرة. إنتهى. وقال قوم: العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه. قال ابن عطية: وهذا قول جهلة مجسمين، وكان الوجه أن لا يحكى. وقال أيضا: العلي يراد به علو القدر والمنزلة، لا علو المكان، لأن الله منزه عن التحيز. إنتهى.
قال الزمخشري: * (فان * قلت) * كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف؟
* (قلت) * ما منها جملة إلا وهي واردة على سبيل البيان لما ترتبت عليه، والبيان متحد بالمبين، فلو توسط بينهما عطف لكان كما تقول اعرب: بين العصا ومحائها، فالأولى: بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه؛ والثانية: لكونه مالكا لما يدبره. والثالثة: لكبرياء شأنه، والرابعة: لإحاطته بأحوال الخلق وعلمه بالمرتضى منهم المستوجب للشفاعة وغير المرتضى. والخامسة: لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها، أو: يجلاله وعظيم قدره. إنتهى كلامه.
وتضمنت هذه الآية الكريمة صفات الذات، منها: الوحدانية، بقوله: لا إله إلا هو، والحياة، الدالة على البقاء بقوله: الحي، و: القدرة، بقول ه: القيوم، واستطرد من القيومية لانتفاء ما يؤول إلى العجز، وهو ما يعرض للقادر غيره تعالى من الغفلة والآفات، فينتفي عنه وصفه بالقدرة إذ ذاك، واستطرد من القيومية الدالة على القدرة إلى ملكه وقهره وغلبته لما في السماوات والأرض، إذ الملك آثار القدرة، إذ للمالك التصرف في المملوك. و: الإرادة، بقوله: * (من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه) * فهذا دال على الاختيار والإرادة، و: العلم بقوله: * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) * ثم سلب عنهم العلم إلا إن أعلمهم هو تعالى، فلما تكملت صفات الذات العلا، واندرج معها شيء من صفات الفعل وانتفى عنه تعالى أن يكون محلا للحوادث، ختم ذلك بكونه: العلي القدر العظيم الشأن.
* (لا إكراه فى الدين) * ذكر في سبب نزولها أقوال مضمون أكثرها: أن بعض أولاد الأنصار تنصر، وبعضهم تهود، فأراد آباؤهم أن يكرهوهم على الإسلام، فنزلت. وقال أنس: نزلت فيمن قال له
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»