تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٠
في معدن الملك القديم الكرسي وقيل: الكرسي العلم. لأن موضع العالم هو الكرسي، سميت صفة الشيء باسم مكانه على سبيل المحاز، ومنه يقال للعلماء: كراسي، لأنهم المعتمد عليهم، كما يقال: أوتاد الأرض، ومنه الكراسة، وقال الشاعر:
* تحف بهم بيض الوجوه وعصبة * كراسي بالأحداث حين تنوب * أي: ترجع، وقيل: الكرسي السر قال الشاعر:
* مالي بأمرك كرسي أكاتمه * ولا بكرسي علم الله مخلوق * وقيل: الكرسي: ملك من الملائكة يملأ السماوات والأرض، وقيل: قدرة الله، وقيل: تدبير الله، حكاهما الماوردي، وقال: هو الأصل المعتمد عليه. قال المغربي: من تكرس الشيء تراكب بعضه على بعض، وأكرسته أنا، قال العجاج:
* يا صاح هل تعرف رسما مكرسا * قال نعم أعرفه وأكرسا * وقال آخر:
* نحن الكراسي لا تعدهوازن * أمثالنا في النائبات ولا الأشد * وقال الزمخشري: وفي قوله: * (وسع كرسيه) * أربعة أوجه: أحدها: أن كرسيه لم يضق عن السماوات والأرض لبسطته وسعته، وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط، ولا كرسي ثم، ولا قعود، ولا قاعد، لقوله: * (وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) * من غير تصور قبضه وطى ويمين، وإنما هو تخييل لعظمة شأنه، وتمثيل حسي. ألا ترى إلى قوله: * (وما قدروا الله حق قدره) *؟ انتهى ما ذكره في هذا الوجه.
واختار القفال معناه قال: المقصود من هذا الكلام تصوير عظمة الله تعالى وكبريائه وتعزيزه، خاطب الخلق في تعريف ذاته بما اعتادوه في ملوكهم وعظمائهم.
وقيل: كرسي لؤلؤ، طول القائمة سبعمائة سنة، وطول الكرسي حيث لا يعلمه العالمون. ذكره ابن عساكر في تاريخه، عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قاله.
قال ابن عطية: والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش، والعرش أعظم منه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس). وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقول: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت في فلاة من الأرض). وهذه الآية منبئة عن عظم مخلوقات الله. إنتهى كلامه.
* (ولا يؤوده حفظهما) * قرأ الجمهور: يؤوده بالهمز، وقرئ شاذا بالحذف، كما حذفت همزة أناس، وقرئ أيضا: يووده، بواو منضمومة على البدل من الهمزة أي: لا يشقه، ولا يثقل عليه، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة، وغيرهم. وقال أبان بن تغلب: لا يتعاظمه حفظهما، وقيل: لا يشغله حفظ السماوات عن حفظ الأرضين، ولا حفظ الأرضين عن حفظ السماوات.
والهاء
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»