ولولا ذلك غلبت العمالقة على بني إسرائيل، فيكون: الناس، عاما والمراد الخصوص.
والذي يظهر: أن المدفوع بهم هم المؤمنون، ولولا ذلك لفسدت الأرض، لأن الكفر كان يطبقها ويتمادى في جميع أقطارها، ولكنه تعالى لا يخلي زمانا من قائم يقوم بالحق ويدعو إلى الله تعالى، إلى أن جعل ذلك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم).
وقال الزمخشري: لولا أن الله يدفع بعض الناس ببعض، ويكف بهم فسادهم، لغلب المفسدون، وفسدت الأرض، وبطلت منافعها، وتعطلت مصالحها من الحرث والنسل وسائر ما يعمر الأرض. إنتهى. وهو كلام حسن، والذي قبله كلام ابن عطية.
والمصدر الذي هو: دفع، أو: دفاع، مضاف إلى الفاعل، وبعضهم بدل من الناس، وهو بدل بعض من كل، والباء في: ببعض، متعلق بالمصدر والباء فيه للتعدية فهو مفعول ثان للمصدر، لأن دفع يتعدى إلى واحد ثم عدى إلى ثان بالباء، وأصل التعدية بالباء، أن يكون ذلك في الفعل اللازم: نحو: * (لذهب بسمعهم) * فإذا كان متعديا فقياسه أن يعدى بالهمزة، تقول: طعم زيد اللحم، ثم تقول أطعمت زيدا اللحم، ولا يجوز أن تقول: طعمت زيدا باللحم، وإنما جاء ذلك قليلا بحيث لا ينقاس، من ذلك: دفع، وصك، تقول: صك الحجر الحجر، وتقول: صككت الحجر بالحجر، أي جعلته يصكه. وكذلك قالوا: صككت الحجرين أحدهما بالآخر نظير: * (دفع الله الناس بعضهم ببعض) * فالباء للتعدية كالهمزة.
قال سيبوية، وقد ذكر التعدية بالهمزة والتضعيف ما نصه: وعلى ذلك دفعت الناس بعضهم ببعض، على حد قولك: ألزمت، كأنك قلت في التمثيل: أدفعت، كما أنك تقول: أذهبت به، وأذهبته من عندنا، وأخرجته، وخرجت به معك، ثم قال سيبوية: صككت الحجرين أحدهما بالآخر على أنه مفعول من قولك: اصطك الحجران أحدهما بالأخر، ومثل ذلك: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض. إنتهى كلام سيبوية.
ولا يبعد في قولك: دفعت بعض الناس ببعض، أن تكون الباء للآلة، فلا يكون المجرور بها مفعولا به في المعنى، بل الذي يكون مفعولا به هو المنصوب، وعلى قول سيبويه يكون المنصوب مفعولا به في اللفظ فاعلا من جهة المعنى وعلى أن تكون الباء للآلة يصح نسبة الفعل إليها على سبيل المجاز، كما أنك تقول في: كتبت بالقلم، كتبت القلم.
وأسند الفساد إلى الأرض حقيقة: بالخراب، وتعطيل المنافع، أو مجازا: والمراد أهلها.
* (ولاكن الله * أم كنت من العالين) * وجه الاستدراك هنا هو أنه لما قسم الناس إلى مدفوع، وانه بدفعه بعضهم ببعض امتنع فساد ارض، فيهجس في نفس من غلب وقهر عن ما يريد من الفساد في الأرض أن الله تعالى، غير متفضل عليه، إذ لم يبلغه مقاصده ومآربه، فاستدرك أنه، وإن لم يبلغ مقاصده هذا الطالب للفساد أن الله لدو فضل عليه، ويحسن إليه. واندرج في عموم العالمين، وقال تعالى: * (إن الله لذو فضل على الناس) * وما من أحد إلا ولله عليه فضل، ولو لم يكن إلا فضل الاختراع.
وهذا الذي أبديناه من فائدة الاستدراك هو على ما قرره أهل العلم باللسان من أن: لكن، تكون بين متنافيين بوجه ما ويتعلق على العالمين بفضل، لأن فعله يتعدى: بعلى، فكذلك المصدر، وربما حذفت: على، مع الفعل، تقول: فضلت فلانا أي على فلان، وجمع بين الحذف والإثبات في قول الشاعر:
* وجدنا نهشلا فضلت فقيما * كفضل ابن المخاض على الفصيل * وإذا عدى إلى مفعول به بالتضعيف لزمت عليه، كقوله: * (فضل الله المجاهدين على القاعدين) *.
* (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين) * تلك إشارة للبعيد، وآيات الله قيل: هي القرآن، والأظهر أنها الآيات التي تقدمت في القصص السابق من خروج أولئك الفارين من الموت، وإمامة الله لهم دفعة واحدة، ثم أحياهم إحياءة واحدة، وتمليك طالوت على بني إسرائيل وليس من أولاد ملوكهم، والإتيان بالتابوت بعد فقده مشتملا على بقايا من إرث آل موسى