تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢١
الآية محكمة، والوصية للوالدين والأقربين واجبة، ويجمع للوارث بين الوصية والميراث بحكم الآيتين.
وقال قوم: إنها محكمة في التطوع، وقال قوم: إنها محكمة وليس معنى الوصية مخالفا للميراث، بل المعنى: كتب عليكم ما أوصى به الله من توريث الوالدين والأقربين في قوله: * (يوصيكم الله فى أولادكم) *.
وقال الزمخشري: أو كتب على المحتضر أن يوصي للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى به الله لهم عليهم ولا ينقص من أنصابهم. انتهى كلامه.
وقيل: هي محكمة، ويخصص الوالدان والأقربون بأن لا يكونوا وارثين بل أرقاء أو كفارا، كما خصص في الموصى به بالثلث فما دونه، قاله الحسن، وطاووس، والضحاك.
وقال: ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الوصية للوالدين والأقرباء الذين لا يرثون جائزة.
وقال ابن عباس، والحسن، وقتادة: الآية عامة، وتقرر الحكم بها برهة، ونسخ منها كل من يرث بآية الفرائض.
وقال ابن عمر، وابن عباس أيضا، وابن زيد: الآية كلها منسوخة. وبقيت الوصية ندبا، ونحو هذا هو قول الشعبي، والنخعي، ومالك.
وقال الربيع بن خيثم وغيره لا وصية، وقيل: كانت في بدء الإسلام فنسخت بآية المواريث، وبقوله عليه السلام: (ان الله أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث). ولتلقي الأمة إياه بالقبول حتى لحق بالمتواتر. وإن كان من الأحاد، لأنهم لا يتلقون بالقبول إلا المثبت الذي صحت روايته.
وقال قوم: الوصية للقرابة أولا، فإن كانت لأجنبي فمعهم، ولا يجوز لغيرهم مع تركهم. وقال الناس، حين مات أبو العالية: عجبا له، أعتقته امرأة من رياح، وأوصى بما له لبني هاشم. وقال الشعبي: لم يكن ذلك له ولا كرامة، وقال طاووس: إذا أوصى لغير قرابته ردت الوصية إلى قرابته ونقض فعله، وقاله جابر، وابن زيد.
وروي مثله عن الحسن، وبه قال إسحاق بن راهويه.
وقال الحسن، وجابر بن زيد، أيضا، وعبد الملك بن يعلى: يبقى ثلث الوصية حيث جعلها الميت. وقال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد: إذا أوصى لغير قرابته وترك قرابته جاز ذلك وأمضي، كان الموصى له غنيا، أو فقيرا مسلما أو كافرا. وهو مروي عن عمر، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنها.
وظاهر: كتب، وجوب الوصية على من خلف مالا، وهو قول الثوري. وقال أبو ثور: لا تجب إلا على من عليه دين أو عنده مال لقوم، فأما من لا دين عليه ولا وديعة عنده فليست بواجبة عليه، وقيل: لا تجب الوصية، واستدل بقول النخعي: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولم يوص، وبقوله في الحديث يريد أن يوصي، فعلق بإرادة الوصية. ولو كانت واجبة لما علقها بإرادته. والموصى له، إن كان وارثا وأجاز ذلك الورثة جاز، وبه قال أبو حنيفة، ومالك. أو قاتلا عمدا وأجاز ذلك الورثة، جاز في قول أبي حنيفة ومحمد.
وقال أبو يوسف: لا تجوز ولو أوصى لبعض ورثته بمال، فقال: إن أجاز ذلك الورثة وإلا فهو في سبيل الله فإن أجاز ذلك الورثة وإلا كان ميراثا. هذا قول مالك.
وقال أبو حنيفة، ومعمر يمضي في سبيل الله.
ولو أوصى الأجنبي بأكثر من الثلث، وأجازه الورثة قبل الموت فليس لهم الرجوع فيه بعد الموت، وهي جائزة عليهم، قاله ابن أبي ليلى، وعثمان البتي.
وقال أبو حنيفة
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»