بعهودهم على الجمع.
* (والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس) *: انتصب: والصابرين على المدح، والقطع إلى الرفع أو النصب في صفات المدح والذم والترحم، وعطف الصفات بعضها على بعض مذكور في علم النحو.
وقرأ الحسن، والأعمش، ويعقوب: والصابرون، عطفا على: الموفون، وقال الفارسي: إذا ذكرت الصفات الكثيرة في معرض المدح والذم، والأحسن أن تخالف بإعرابها ولا تجعل كلها جارية على موصوفها، لأن هذا الموضع من مواضع الإطناب في الوصف، الإبلاغ في القول، فإذا خولف بإعراب الأوصاف كان المقصود أكمل، لأن الكلام عند الاختلاف يصير كأنه أنواع من الكلام، وضروب من البيان، وعند الاتحاد في الإعراب يكون وجها واحدا و جملة واحدة. انتهى كلامه.
قال الراغب: وإنما لم يقل: ووفى، كما قال: وأقام، لأمرين: أحدهما: اللفظ، وهو أن الصلة متى طالت كان الأحسن أن يعطف على الموصول دون الصلة لئلا يطول ويقبح، والثاني: أنه ذكر في الأول ما هو داخل في حيز الشريعة، وغير مستفاد إلا منها، والحكمة العقلية تقضي العدالة دون الجور، ولما ذكر الوفاء بالعهد، وهو مما تقضي به العقود المجردة، صار عطفه على الأول أحسن، ولما كان الصبر من وجه مبدأ الفضائل، ومن وجه جامعا للفضائل، إذ لا فضيلة إلا وللصبر فيها أثر بليغ، غير إعرابه تنبيها على هذا المقصد. انتهى كلامه.
واتفقوا على تفسير قوله * (حين * البأس) * أنه: حالة القتال.
واختلف المفسرون في البأساء والضراء، فأكثرهم على أن البأساء هو الفقر وان الضراء الزمانة في الجسد، وإن اختلفت عبارتهم في ذلك، وهو قول ابن مسعود، وقتادة، والربيع، والضحاك.
وقيل: البأساء: القتال، والضراء: الحصار، ذكره الماوردي. وهذا من باب الترقي في الصبر من الشديد إلى أشد، فذكر أولا الصبر على الفقر، ثم الصبر على المرض وهو أشد من الفقر، ثم الصبر على القتال وهو أشد من الفقر والمرض.
قال الراغب: استوعب أنواع الصبر لأنه إما أن يكون فيما يحتاج إليه من القوت فلا يناله، وهو: البأساء، أو فيما ينال جسمه من ألم وسقم، وهو: الضراء في مدافعة مؤذية، وهو: البأساء. انتهى كلامه.
وعدى الصابرين إلى البأساء والضراء بفي لأنه لا يمدح الإنسان على ذلك إلا إذا صار له الفقر والمرض كالظرف، وأما الفقر وقتا ما، أو المرض وقتا ما، فلا يكاد يمدح الإنسان بالصبر على ذلك لأن ذلك قل أن يخلو منه أحد. وأما القتال فعدى الصابرين إلى ظرف زمانه لأنها حالة لا تكاد تدوم، وفيها الزمان الطويل في أغلب أحوال القتال، فلم تكن حالة القتال تعدى إليها بفي المقتضية للظرفية الحسية التي نزل المعنى المعقول فيها، كالجرم المحسوس، وعطف هذه الصفات في هذه الآية بالواو يدل على أن من شرائط البر استكمالها وجمعها، فمن قام بواحدة منها لم يوصف بالبر، ولذلك خص بعض العلماء هذا بالأنبياء عليهم السلام، قال: لأن غيرهم لا يجتمع فيه هذه الأوصاف كلها، وقد تقدم الكلام على ذلك.
* (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) * أشار: بأولئك، إلى الذين جمعوا تلك الأوصاف الجلية، من الاتصاف بالإيمان وما بعده، وقد تقدم لنا أن اسم الإشارة يؤتى به لهذا المعنى، أي: يشار به إلى من جمع عدة أوصاف سابقة، كقوله: * (أولائك على هدى من ربهم) * والصدق هنا يحتمل أن يراد به الصدق في الأقوال فيكون مقابل الكذب والمعنى: أنهم يطابق أقوالهم ما انطوت عليه قلوبهم من الإيمان والخبر فإذا أخبروا بشيء كان صدقا لا يتطرق إليه الكذب، ومنه: (لا يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق، حتى يكتب عند الله صادقا، ولا يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابا).
ويحتمل أن يراد بالصدق: الصدق في الأحوال، وهو مقابل الرياء أي: أخلصوا أعمالهم لله تعالى دون رياء ولا سمعة، بل قصدوا وجه الله تعالى، وكانوا عند الظن بهم، كما تقول صدقني الرمح، أي: وجدته عند اختباره كما اختار وكما أظن به، والتقوى هنا اتقاء عذاب الله بتجنب معاصيه، وامتثال طاعته.
وتنوع هنا