كلام العرب كما قلناه تكرار اللفظ، والحذف إذ أنفي، أو أكف، أو أوقى، هو أفعل تفضيل، فلا بد من تقدير المفضل عليه أنفي للقتل من ترك القتل.
وأما في الوجه الثالث: فالقصاص أعم من القتل، لأن القصاص يكون في نفس وفي غير نفس، والقتل لا يكون إلا في النفس، فالآية أعم وأنفع في تحصيل الحياة.
وأما في الوجة الرابع: فلأن القصاص مشعر بالاستحقاق، فترتب على مشروعيته وجود الحياة.
ثم الآية المكرمة فيها مقابلة القصاص بالحياة فهو من مقابلة الشيء بضده، وهو نوع من البيان يسمى الطباق، وهو شبه قوله تعالى: * (وأنه هو أمات) * وهذه الجملة مبتدأ وخبر، وفي القصاص: متعلق بما تعلق به قوله: لكم، وهو في موضع الخبر، وتقديم هذا الخبر مسوغ لجواز الابتداء بالنكرة، وتفسير المعنى: أنه يكون لكم في القصاص حياة، ونبه بالنداء نداء ذوي العقول والبصائر على المصلحة العامة، وهي مشروعية القصاص، إذ لا يعرف كنه محصولها إلا أولو الألباب القائلون لامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وهم الذين خصهم الله بالخطاب، * (يعلمون إنما يتذكر أولو الالباب) * * (لآيات لقوم يعقلون) * * (لايات لاولى الالباب) * * (لايات لاولى) * * (ذالك لذكرى لمن كان له قلب) * وذوو الألباب هم الذين يعرفون العواقب ويعلمون جهات الخوف، إذ من لا عقل له لا يحصل له الخوف، فلهذا خص به ذوي الألباب.
* (لعلكم تتقون) * أي: القصاص، فتكفون عن القتل وتتقون القتل حذرا من القصاص أو الانهماك في القتل، أو تتقون الله باجتناب معاصيه، أو تعملون عمل أهل التقوى في المحافظة على القصاص والحكم به، وهو خطاب له فضل اختصاص بالأئمة أقوال خمسة، أولاها ما سيقت له الآية من مشروعية القصاص.
* (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) * الآية. مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، وذلك أنه لما ذكر تعالى القتل في القصاص، والدية، أتبع ذلك بالتنبيه على الوصية، وبيان أنه مما كتبه الله على عباده حتى يتنبه كل أحد فيوصي مفاجأة الموت، فيموت على غير وصية، ولا ضرورة تدعو إلى أن: كتب، أصله: العطف على. * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * * (كتب عليكم) * وأن الواو حذفت للطول، بل هذه جملة مستأنفة ظاهرة الارتباط بما قبلها، لأن من أشرف على أن يقتص منه فهو بعض من حضره الموت، ومعنى حضور الموت أي: حضور مقدماته وأسبابه من العلل والأمراض والأعراض المخوفة، والعرب تطلق على أسباب الموت موتا على سبيل التجوز. وقال تعالى: * (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت) * وقال عنترة.
* وان الموت طوع يدي إذا ما * وصلت بنانها بالهندوان * وقال جرير.
* انا الموت الذي حدثت عنه * فليس لهارب مني نجاء *