وقال غيره.
* وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا * قولا يبرئكم: إني أنا الموت * والخطاب في: عليكم، للمؤمنين مقيدا بالإمكان على تقدير التجوز في حضور الموت، ولو جرى نظم الكلام على خطاب المؤمنين لكان: إذا حضركم الموت، لكنه روعيت دلالة العموم في: عليكم، من حيث المعنى، إذا لمعنى: كتب على كل واحد منكم، ثم أظهر ذلك المضمر، إذ كان يكون إذا حضره الموت، فقيل: إذا حضر أحدكم، ونظير مراعاة المعنى في العموم قول الشاعر:
* ولست بسائل جارات بيتي * أغياب رجالك أم شهود * فأفرد الضمير في رجالك لأنه راعى معنى العموم، إذ المعنى ولست بسائل كل جارة من جارات بيتي، فجاء قوله: أغياب رجالك، على مراعاة هذا المعنى. وهذا شيء غريب مستطرف من علم العربية.
وقيل: المراد بالموت هنا حقيقته لا مقدماته، فيكون الخطاب متوجها إلى الأوصياء والورثة، ويكون على حذف مضاف، أي: كتب عليكم، إذا مات أحدكم، إنفاذ الوصية والعمل بها، فلا تكون الآية تدل على وجوب الوصية، بل يستدل على وجوبها بدليل آخر.
* (إن ترك خيرا) * يعني: مالا، في قول الجميع، وقال مجاهد: الخير في القرآن كله المال * (وإنه لحب) * * (فقال إنى أحببت حب الخير) * * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * * (إنى أراكم بخير) * وظاهر الآية يدل على مطلق الخير، وبه قال: الزهري، وأبو مجلز، وغيرهما، قالوا: تجب فيما قل وفيما كثر.
وقال أبان: مائتا درهم فضة. وقال النخعي: من ألف درهم إلى خمسمائة؛ وقال علي: وقتادة: ألف درهم فصاعدا، وقال الجصاص: أربعة آلاف درهم. هذا قول من قدر الخير بالمال.
وأما من قدره بمطلق الكثرة، فإن ذلك يختلف بحسب اختلاف حال الرجل، وكثرة عياله، وقلتهم.
وروي عن عائشة أنها قالت: ما أرى فضلا في مال هو أربعمائة دينار لرجل أراد أن يوصى وله عيال، وقالت في آخر: له عيال أربعة وله ثلاثة آلاف، إنما قال الله * (إن ترك خيرا) * وإن هذا الشيء يسير فاتركه لعيالك.
وعن علي: أن مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة فمنعه، وقال: قال تعالى: * (إن ترك خيرا) * والخير: هو المال، وليس لك مال. انتهى.
ولا يدل عدم تقدير المال على أن الوصية لم تجب، إذ الظاهر التعليق بوجود مطلق الخير، وإن كان المراد غير الظاهر، فيمكن تعليق الإيجاب بحسب الاجتهاد في الخير؛ وفي تسميته هنا وجعله خيرا إشارة لطيفة إلى أنه مال طيب لا خبيث، فإن الخبيث يجب رده إلى أربابه، ويأثم بالوصية فيه.
واختلفوا، فقال قوم: