المتقين، فذلك يخرجه عن التأكيد، لأنه إذا ذاك يتخصص بالصفة، وجوز المعربون أن يكون نعتا لمصدر محذوف، إما لمصدر من: كتب عليكم، أي: كتبا حقا وإما مصدر من الوصية، أي أصاء حقا، وأبعد من ذهب إلى أنه منصوب: بالمتقين، وأن التقدير: على المتقين حقا، كقوله: * (أولئك هم المؤمنون حقا) * لأنه غير المتبادر إلى الذهن، ولتقدمه على عامله الموصول، والأولى عندي أن يكون مصدرا من معنى: كتب، لأن معنى: كتبت الوصية، أي: وجبت وحقت، فانتصابه على أنه مصدر على غير الصدر، كقولهم: قعدت جلوسا، وظاهر قوله: كتب وحقا، الوجوب، إذ معنى ذلك الإلزام على المتقين، قيل: معناه: من اتقى في أمور الورثة أن لا يسرف، وفي الأقربين أن يقدم الأحوج فالأحوج، وقيل: من اتبعوا شرائع الإيمان العاملين بالتقوى قولا وفعلا، وخصهم بالذكر تشريفا لهم وتنبيها على علو منزلة المتقين عنده، وقيل: من اتقى الكفر ومخالفة الأمر.
وقال بعضهم: قوله * (على المتقين) * يدل على ندب الوصية لا على وجوبها، إذ لو كانت واجبة لقال: على المسلمين، ولا دلالة على ما قال لأنه يراد بالمتقين: المؤمنون، وهم الذين اتقوا الكفر، فيحتمل أن يراد ذلك هنا..
* (فمن بدله بعدما سمعه) *: الظاهر أن الضمير يعود على الوصية بمعنى الإيصاء، أي: فمن بدل الإيصاء عن وجهه إن كان موافقا للشرع من الأوصياء والشهود بعدما سمعه سماع تحقق وتثبت، وعوده على الإيصاء أولى من عوده على الوصية، لأن تأنيث الوصية غير حقيقي، لأن ذلك لا يراعى في الضمائر المتأخرة عن المؤنث المجازي، بل يستوي المؤنث الحقيقي والمجازي في ذلك تقول: هند خرجت. والشمس طلعت، ولا يجوز طلع إلا في الشعر، والتذكير على مراعاة المعنى وارد في لسانهم، ومنه.
كخرعوبة البانة المنفطر ذهب إلى معنى: القضيب، كأنه قال: كقضيب البانة، ومنه في العكس: جاءته كتابي، فاحتقرها على معنى الصحيفة.
والضمير في * (سمعه) * عائد على الإيصاء كما شرحناه، وقيل: يعود على أمر الله تعالى في هذه الآية.
وقيل: الهاء، في: * (فمن بدله) * عائدة إلى الفرض، والحكم، والتقدير: فمن بدل الأمر المقدم ذكره، ومن: الظاهر أنها شرطية، والجواب: * (فإنما إثمه) * وتكون: من، عامة في كل مبدل: من رضي بغير الوصية في كتابة، أو قسمة حقوق، أو شاهد بغير شهادة، أو يكتمها، أو غيرهما ممن يمنع حصول المال ووصوله إلى مستحقه، وقيل: المراد بمن: متولي الإيصاء دون الموصي والموصى له، فإنه هو الذي بيده العدل والجنف والتبديل والإمضاء، وقيل: المراد: بمن: هو الموصي، نهي عن تغيير وصيته عن المواضع التي نهى الله عن الوصية إليها، لأنهم كانوا يصرفونها إلى الأجانب، فأمروا بصرفها إلى الأقربين.
ويتعين على هذا القول أن يكون الضمير في قوله: * (فمن بدله) * وفي قوله: * (بعدما سمعه) * عائدا على أمر الله تعالى في الآية، وفي قوله: * (بعدما سمعه) * دليل على أن الإثم لا يترتب إلا بشرط أن يكون المبدل قد علم بذلك، وكنى بالسماع عن العلم لأنه طريق حصوله. * (فإنما إثمه) *: الضمير عائد على الإيصاء المبدل، أو على المصدر المفهوم من بدله، أي: فإنما إثم التبديل على المبدل، وفي هذا دليل على أن من اقترف ذنبا، فإنما وباله عليه خاصة، فإن قصر الوصي في شيء مما أوصى به الميت، لم يلحق الميت من ذلك شيء، وراعى المعنى في قوله: * (على الذين يبدلونه) * إذ لو جرى على نسق اللفظ الأول لكان: فإنما إثمه، أو فإنما إثمه عليه على الذي يبدله، وأتي في جملة الجواب بالظاهر مكان المضمر ليشعر بعلية: الإثم الحاصل، وهو التبديل، وأتى بصلة: الذين، مستقبلة جريا على الأصل، إذ هو مستقبل.
* (إن الله سميع عليم) * في هاتين الصفتين تهديد ووعيد للمبدلين، فلا يخفي عليه تعالى شيء، فهو يجازيهم على تبديلهم شر الجزاء، وقيل: سميع لقول الموصي، عليم بفعل الموصي، وقيل: سميع لو صاياه، عليم بنياته. والظاهر القول الأول المجيئه في أثر ذكر التبديل وما يترتب عليه من الإثم.
* (فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه) * الظاهر أن الخوف هو الخشية هنا، جريا على أصل اللغة في الخوف، فيكون المعنى: بتوقع الجنف أو الإثم من الموصي.
قال