وأخذ المال، والاعتداء، وتجاوز الحد يشمل ذلك كله.
وقال الزمخشري: بعد ذلك التخفيف، فجعل ذلك إشارة إلى التخفيف، وليس يظهر أن ذلك إشارة إلى التخفيف، وإنما الظاهر ما شرحناه به من العفو وأخذ الدية، وكون ذلك تخفيفا هو كالعلة لمشروعية العفو وأخذ الدية، ويحتمل: من في قوله: * (فمن اعتدى) * أن تكون شرطية، وأن تكون موصولة.
* (فله عذاب أليم) * جواب الشرط، أو خبر عن الموصول، وظاهر هذا العذاب أنه في الأخرة، لأن معظم ما ورد من هذه التوعدات إنما هي في الآخرة. وقيل: العذاب الأليم هو في الدنيا، وهو قتله قصاصا، قاله عكرمة، وابن جبير، والضحاك: وقيل: هو قتله البتة حدا، ولا يمكن الحاكم الولي من العفو قاله عكرمة أيضا، وقتادة، والسدي.
وقيل: عذابه أن يرد الدية ويبقى إثمه إلى عذاب الآخرة، قاله الحسن.
وقيل: عذابه تمكين الإمام منه يصنع فيه ما يرى، قاله عمر بن عبد العزيز. ومذهب جماعة من العلماء أنه إذا قتل بعد سقوط الدم هو كمن قتل ابتداء، إن شاء الولي قتله، وإن شاء عفا عنه.
* (ولكم في القصاص حيواة يأولي * أولى * الالباب لعلكم تتقون) * الحياة التي في القصاص هي: أن الإنسان إذا علم أنه إذا قتل قتل، أمسك عن القتل، فكان ذلك حياة له، للذي امتنع من قتله، فمشروعية القصاص مصلحة عامة، وإبقاء القاتل والعفو عنه مصلحة خاصة به، فتقدم المصلحة العامة لتعذر الجمع بينهما. أو المعنى: ولكم في شرع القصاص حياة، وكانت العرب إذا قتل الرجل حمى قبيلة أن تقتص منه، فيقتتلون، ويقضي ذلك إلى قتل عدد كثير، فلما شرع القصاص رضوا به وسلموا القاتل للقود، وصالحوا على الدية وتركوا القتال، فكان لهم في ذلك حياة، وكم قتل مهلهل بأخيه كليب حتى كاد يفني بكر بن وائل.
وقيل: حياة لغير القاتل، لأنه لا يقتل خلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية. وقيل: حياة للقاتل. وقيل: حياة لارتداع من يهم به في الآخرة إذ استوفى منه القصاص في الدنيا فإنه في الآخرة لا يقتص منه، وإن لم يقتص اقتص منه في الآخرة. فلا تحصل له تلك الحياة التي حصلت لمن اقتص منه.
وقرأ أبو الجوزاء، أوس بن عبد الله الربعي: ولكم في القصص، أي: فيما قص عليكم من حكم القتل والقصاص، وقيل: القصص: القرآن، أي: لكم في القرآن حياة القلوب، كقوله: * (روحا من أمرنا) * وكقوله: * (أو من كان ميتا فأحييناه) *.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون مصدرا كالقصاص، أي: أنه إذا قص أثر القاتل قصصا قتل كما قتل.
وقال الزمخشري: * (ولكم في القصاص حيواة) * كلام فصيح لما فيه من الغرابة، وهو أن القصاص قتل وتفويت للحياة، وقد جعل مكانا وظرفا للحياة، ومن إصابة مخز البلاغة بتعريف، القصاص، وتنكير: الحياة، لأن المعنى: ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة، أو نوع من الحياة، وهو الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل. لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل، انتهى كلامه.
وقالت العرب فيما يقرب من هذا المعنى: القتل أوقى للقتل، وقالوا: أنفي للقتل، وقالوا: أكف للقتل.
وذكر العلماء تفاوت ما بين الكلامين من البلاغة من وجوه. أحدها: أن ظاهر قول العرب يقتضي كون وجود الشيء سببا لانتفاء نفسه، وهو محال. الثاني: تكرير لفظ القتل في جملة واحدة. الثالث: الاقتصار على أن القتل هو أنفي للقتل. الرابع: أن القتل ظلما هو قتل، ولا يكون نافيا للقتل. وقد اندرج في قولهم: القتل أنفى للقتل، والآية المكرمة بخلاف ذلك.
أما في الوجه الأول: ففيه أن نوعا من القتل وهو القصاص سبب لنوع من أنواع الحياة، لا لمطلق الحياة، وإذا كان على حذف مضاف أي: ولكم في شرع القصاص، اتضح كون شرع القصاص سببا للحياة.
وأما في الوجه الثاني: فظاهر لعذوبة الألفاظ وحسن التركيب وعدم الاحتياج إلى تقدير الحذف، لأن في