قصصا كثيرا، تتضمن: أن الملائكة تعجبت من بني آدم في مخالفتهم ما أمر الله به، وأن الله تعالى بكتهم، بأن قال لهم: اختاروا ملكين للهبوط إلى الأرض، فاختاروا هاروت وماروت، وركب فيهما الشهوة، فحكما بين الناس، وافتتنا بامرأة، تسمى بالعربية الزهرة، وبالفارسية ميذخت، فطلباها وامتنعت، إلا أن يعبدا صنما، ويشربا الخمر ويقتلا. فخافا على مرهما، فعلماها ما تصعد به إلى السماء وما تنزل به، فصعدت ونسيت ما تنزل به، فمسخت. وأنهما تشفعا بإدريس إلى الله تعالى، فخيرهما في عذاب الدنيا والآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فهما ببابل يعذبان. وذكروا في كيفية عذابهما اختلافا. وهذا كله لا يصح منه شيء. والملائكة معصومون، * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) *، * (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون) *، * (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) *. ولا يصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان يلعن الزهرة ولا ابن عمر. وقيل: سبب إنزال الملكين: أن السحرة كثروا في ذلك الزمان، وادعوا النبوة، وتحدوا الناس بالسخر. فجاء ليعلما الناس السحر، فيتمكنوا من معاوضة السحر، فيتبين كذبهم في دعواهم النبوة، أو لأن المعجزة والسحر ماهيتان متباينتان، ويعرض بينهما الالتباس. فجاء الإيضاح الماهيتين، أو لأن السحر الذي يوقع التفرقة بين أعداء الله وأوليائه كان مباحا، أو مندوبا، فبعثا لذلك، ثم استعمله القوم في التفرقة بين أولياء الله. أو لأن الجن كان عندهم من أنواع السحر ما لم تقدر البشر على مثله، فأنزلا بذلك لأجل المعارضة. وقيل: أنزلا على إدريس، لأن الملائكة لا يكونون رسلا لكافة الناس، ولا بد من رسول من البشر.
* (ببابل) *: قال ابن مسعود: هي في سواد الكوفة. وقال قتادة: هي من نصيبين إلى رأس العين. وقيل: هي جبل دماوند. وقيل: هي بالمغرب. وقيل: في أرض غير معلومة، فيها هاروت وماروت، وسميت ببابل، قال الخليل: لتبلبل الألسنة حين أراد الله أن يخالف بينها، أتت ريح فحشرت الناس إلى بابل، فلم يدر أحد ما يقول الآخر، ثم فرقتهم الريح في البلاد. وقيل: لتبلبل الألسنة بها عند سقوط قصر نمروذ. * (هاروت وماروت) *: قرأ الجمهور: بفتح التاء، وهما بدل من الملكين، وتكون الفتحة علامة للجر لأنهما لا ينصرفان، وذلك إذا قلنا إنهما إسمان لهما. وقيل: بدل من الناس، فتكون الفتحة علامة للنصب، ولا يكون هاروت وماروت اسمين للملكين. وقيل: هما قبيلتان من الشياطين، فعلى هذا يكونان بدلا من الشياطين، وتك ن الفتحة علامة للنصب، على قراءة من نصب الشياطين. وأما من رفع الشياطين، فانتصابهما على الذم، كأنه قال: أذم هاروت وماروت، أي هاتين القبيلتين، كما قال الشاعر:
* أقارع عوف لا أحاول غيرها * وجوه قرود تبتغي من تخادع * وهذا على قراءة الملكين، بفتح اللام. وأما من قرأ بكسرها، فيكونان بدلا من الملكين، إلا إذا فسرا بداود وسليمان عليهما السلام، فلا يكون هاروت وماروت بدلا منهما، ولكن يتعلقان بالشياطين على الوجهين اللذين ذكرنا في رفع الشياطين ونصبه. وقرأ الحسن والزهري: هاروت وماروت بالرفع، فيجوز أن يكونا خبر مبتدأ محذوف، أي هما هاروت وماروت، إن كانا ملكين. وجاز أن يكونا بدلا من الشياطين، الأول أو الثاني، على قراءة من رفعه، إن كانا شيطانين. وتقدم لنا القول في هاروت وماروت، وأنهما أعجميان. وزعم بعضهم أنهما مشتقان من الهرت والمرت، وهو الكسر، وقوله خطأ، بدليل منعهم الصرف لهما، ولو كانا، كما زعم، لانصرفا، كما انصرف جاموس إذا سميت به. واختصت بابل بالإنزال لأنها كانت أكثر البلاد سحرا.
* (وما يعلمان من أحد) *: قرأ الجمهور: بالتشديد، من علم على بابها من التعليم. وقالت طائفة: هو هنا بمعنى يعلمان التضعيف، والهمزة بمعنى واحد، فهو من باب الإعلام، ويؤيده قراءة طلحة بن مصرف. وما يعلمان: من أعلم قال: لأن الملكين إنما نزلا