تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٠٢
المحذوف. والإذن هنا فسر الوجوه التي ذكرناها عند الكلام على المفردات. فقال الحسن: الإذن هنا: هو التخلية بين المسحور وضرر السحر. وقال الأصم: العلم. وقال غيره: الخلق، ويضاف إلى إذنه كقوله: * (كن فيكون) * وقيل: الأمر، قيل: والإذن حقيقة فيه، واستبعد ذلك، لأن الله لا يأمر بالسحر، ولأنه ذمهم على ذلك. وأول معنى الأمر فيه بأن يفسر التفريق بالصيرورة. كافرا فإن هذا حكم شرعي، وذلك لا يكون إلا بأمر الله. وفي هذه الجملة دليل على أن ما يتعلمون له تأثير وضرر، لكن ذلك لا يضر إلا بإذن الله، لأنه ربما أحدث الله عنده شيئا، وربما لم يحدث.
* (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) *: لما ذكر أنه يحصل به الضرر لمن يفرق بينهما، ذكر أيضا أن ضرره لا يقتصر على من يفعل به ذلك، بل هو أيضا يضر من تعلمه. ولما كان إثبات الضرر بشيء لا ينفي النفع، لأنه قد يوجد الشيء فيحصل به الضرر ويحصل به النفع، نفى النفع عنه بالكلية، وأتى بلفظ لا، لأنها ينفي بها الحال والمستقبل. والظاهر أن * (ولا ينفعهم) * معطوف على * (يضرهم) *، وكلا الفعلين صلة لما، فلا يكون لها موضع من الإعراب. وجوز بعضهم أن يكون لا ينفعهم على إضمار هو، أي وهو لا ينفعهم، فيكون في موضع رفع، وتكون الواو للحال، فتكون جملة حالية، وهذا ضعيف. وقد قيل: الضرر وعدم النفع مختص بالآخرة. وقيل: هو في الدنيا والآخرة، فإن تعلمه، إن كان غير مباح، فهو يجر إلى العمل به، وإلى التنكيل به، إذا عثر عليه، وإلى أن ما يأخذه عليه حرام هذا في الدنيا. وأما في الآخرة فلما يترتب عليه من العقاب. * (ولقد علموا) *: الضمير عائد قيل: على اليهود الذين كانوا في عهد سليمان عليه السلام، وكانوا حاضرين استخراج الشياطين السحر ودفنه، أو أخذ سليمان السحر ودفنه تحت كرسيه، ولما أخرجوه بعد موته قالوا: والله ما هذا من عمل سليمان ولا من دخائزه. وقيل: عائد على من بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم) من اليهود. وقيل: عائد على اليهود قاطبة، أي علموا ذلك في التوراة. وقيل: عائد على علماء اليهود. وقيل: عائد على الشياطين. وقيل: على الملكين، لأنهما كانا يقولان لمن يتعلم الحسر: فلا تكفر، فقد علموا أنه لا خلاق له في الآخرة. وأتى بضمير الجمع على قول من يرى ذلك. وعلم: هنا يحتمل أن تكون المتعدية لمفعولين، وعلقت عن الجملة، ويحتمل أن يكون المتعدية لمفعول واحد، وعلقت أيضا كما علقت عرفت. والفرق بين هذين التقديرين يظهر في العطف على موضعها. واللام في: * (لمن اشتراه) * هي لام الابتداء، وهي المانعة من عمل علم، وهي أحد الأسباب الموجبة للتعليق، وأجازوا حذفها، وهي باقية على منع العمل، وخرجوا على ذلك.
إني وجدت ملاك الشيمة الأدب يريد لملاك الشيمة. ومن هنا موصولة، وهي مرفوعة بالابتداء. والجملة من قوله: * (ما له فى الاخرة من خلاق) * في موضع الخبر. واللام في لقد للقسم. هذا مذهب سيبويه وأكثر النحويين. وجملة * (ولقد علموا) * مقسم عليها التقدير: والله لقد علموا. والجملة الثانية عنده غير مقسم عليها. وأجاز الفراء أن تكون الجملتان مقسما عليهما، وتكون من للشرط، وتبعه في ذلك الحوفي وأبو البقاء. قال أبو البقاء: اللام في * (لمن اشتراه) * هي التي يوطأ بها القسم مثل: * (لئن لم تنته) *، ومن في موضع رفع بالابتداء، وهي شرط وجواب القسم ماله في الآخرة من خلاق. انتهى كلامه. فاشتراه في القول الأول صلة، وفي هذا القول خبر عن من، ويكون إذ ذاك جواب الشرط محذوفا يدل عليه جواب القسم، لأنه اجتمع قسم وشرط، ولم يتقدمهما ذو خبر، فكان الجواب للسابق، وهو القسم، ولذلك كان فعل الشرط ماضيا في اللفظ. هذا هو تقرير هذا القول وتوضيحه. وفي كلا القولين يكون: لمن اشتراه، في موضع نصب
(٥٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 507 ... » »»